- الحادث يزيد من المتاعب الانتخابية لبايدن مع تقدم ترامب في استطلاعات الرأي، ويعكس تراجع الدعم لبايدن بسبب موقفه من إسرائيل، بالإضافة إلى رفض شخصيات عربية أمريكية دعوة للإفطار بالبيت الأبيض.
- إدارة بايدن تتعامل برخاوة مع القصف الإسرائيلي، متجنبة اتخاذ موقف حاسم ضد استخدام إسرائيل لأسلحة أمريكية في قصف المدنيين، مما يعكس ترددًا في فرض قيود جديدة على إسرائيل.
ترك القصف الإسرائيلي لقافلة مساعدات إنسانية تابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي في غزة، ليل الاثنين الماضي، أصداء واسعة في واشنطن طغى عليها مزيج من الإحراج والنقمة وأعاد طرح السؤال حول مدى تمسك الرئيس الأميركي جو بايدن برفض اتخاذ إجراءات بحق إسرائيل.
ورسخت إدانة مدير المنظمة، هوزيه أندرياس، للعملية وقوله إنها متعمدة وجزء من نهج إسرائيلي في حربها الحالية على غزة، الاعتقاد بأن تل أبيب أعدت لها عن سابق تصور وتصميم كحلقة من سياسة تجويع الغزيين. وفرضت تصريحات أندرياس، الذي يتمتع بالثقة في الأوساط الأميركية، تداول الموضوع على نطاق واسع وتسليط الأضواء على انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية والإنسانية ولقواعد الحروب، كما عزّزت القناعة السائدة لدى أوساط أميركية يهودية وديمقراطية بأن تساهل الإدارة، وبالتحديد البيت الأبيض، مع نتنياهو أدى إلى انفلاته المتزايد على جبهتي حرب التجويع وحرب التوسيع.
ورأى أندرياس أن الضربة كانت بمثابة عقوبة لمنظمته على دورها في إعانة أهل غزة ودرس لمنعها من استئناف هذا الدور، وهذا ما حصل فعلاً حيث أعلن عن وقف العمل في غزة.
وجاء قصف القافلة بالتزامن مع استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ليظهر وكأنه رد إسرائيلي على الضغوط الأميركية التي تحاول كبح عملية اجتياح رفح، ما أدى لزيادة متاعب جو بايدن الانتخابية لا سيما أن الأرقام تشير بوضوح لخسارته مزيداً من الأصوات بسبب مسايرته للاحتلال الإسرائيلي.
ويظهر استنزاف الأصوات المؤيدة لبايدن وللديمقراطيين في استطلاعات الرأي الأحدث والتي كشفت عن تقدم لدونالد ترامب، المنافس الجمهوري، في ست من أصل سبع ولايات يتقرر فيها مصير الانتخابات؛ ومنها ولايات (مثل ميشيغن) يلعب فيها الصوت العربي الإسلامي الدور المفصلي في تحديد نتائج التصويت فيها.
تعاطت إدارة بايدن مع قصف إسرائيل للقافلة برخاوة فاضحة، رغم أن أحد ضحاياه أميركي، بدلاً من الإدانة الحاسمة والرادعة، واكتفى الرئيس بتكرار المفردات ذاتها التي لم تغادر خطابه منذ بداية الحرب، والتي تدور حول عزمه على "حث " إسرائيل والضغط عليها "لتسهيل مرور المساعدات"، مطمئناً الفلسطينيين بان إسرائيل التي "قصّرت" في حماية العاملين المدنييين والعاملين في مجال المساعدات "قد تعهدت" باجراء تحقيق سريع في الحادثة وبما يحدد الجهات المسئولة "لمحاسبتها"، وكأن التحقيقات السابقة مثل قضية اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة وغيرها قد انتهت إلى شيء.
وتجنب بايدن ذكر أي قيود جديدة على إسرائيل في انتظار نتائج التحقيق مع أن ظروف الحادث واضحة، واعتمد البيت الأبيض نفس المقاربة في إيجازه الصحافي وكذلك وزارة الخارجية التي لم تخرج في إيجازها الصحافي، أمس الأربعاء، عن تقديم العملية بصورة ملتبسة تتحدث عن تقصير وفعل فردي وتنفي وجود نية مسبقة، وكل ذلك بانتظار التحقيق الذي كان من المفترض أن تتولاه جهة مستقلة مع وجود جهة أميركية بما أن أحد قتلى القافلة أميركي الجنسية.
ويبقى قصف إسرائيل للقافلة دون رد حقيقي من الإدارة الأميركية شأنه في ذلك كشأن المذكرة التي أصدرتها الإدارة الأميركية، في فبراير/شباط الماضي، والتي تنص على وجوب "حصول وزير الخارجية على ضمانات يمكن الركون إليها تكفل استعمال السلاح الأميركي -الموجود بحوزة جهة أجنبية - وفق ما يقتضيه القانون الدولي".
مناعة بايدن
والمعروف أن السلاح الذي استهدف القافلة هو من الأسلحة الذكية الأميركية التي تمتلكها إسرائيل، وهذه حقائق معروفة ومتداولة وتستوجب المحاسبة لكن الإدارة، أو بالأحرى البيت الأبيض، نأت عن سلوك هذا السبيل رغم وجود سوابق مشابهة تعامل معها رؤوساء أميركيون بطريقة رادعة مع شيء من المحاسبة، وإن كانت مؤقتة لا تؤثر على جوهر العلاقات العضوية بين واشنطن وتل ابيب، مثل دوايت آيزنهاور وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وآخرهم كان الجمهوري رونالد ريغان الذي رد على ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في 1981 بالتصويت مع قرارٍ لمجلس الأمن يدين تل أبيب فضلاً عن وقف تسليم هذه الأخيرة طائرات إف-15 ولو لمدة محدودة.
ويبدو بايدن وكأنه يتمتع بمناعة غير قابلة للاختراق ضد محاسبة إسرائيل حتى لوكانت محدودة، ويرجح البعض أنه لا يتقبل الفصل بين إسرائيل ورئيس حكومتها، فنفوره الشخصي من بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، واعتراضه على سلوكياته السياسية وادارته لحرب غزة، لا يترجمه إلى قرارات سياسية باعتبار أن ذلك من شأنه أن يؤثر على إسرائيل التي تشده إليها مغالاته في صهيونيته المعلنة.
ويمكن يكون هناك تفسير آخر لسلوك بايدن، أشير إليه بصورة خاطفة في الفترة الأخيرة، ويتمثل بترتيبات للخلاص من نتنياهو في رئاسة الحكومة، ويقتضي ذلك النأي عن الصدام معه لإبعاد الشبهات عن بصمات أميركية في ذلك المسعى. وكانت تلميحات من هذا القبيل ترددت أثناء زيارة كل وزيري حكومة الحرب الإسرائيلية بني غانتس ويوآف غالانت إلى واشنطن مؤخراً، وتجددت هذه الإشارات بعد انشقاق الوزير جدعون ساعر عن الليكود، وعادت أمس الأربعاء مع طرح غانتس تقديم موعد الانتخابات، لكنه يبقى سيناريو غير مرجح وغير متماسك كفاية، وحتى لو كان وارداً فإن الثابت حتى الآن أن بايدن مدمن على عدم التزحزح عن احتضان إسرائيل حتى لو بلغ ضيقه من رئيس حكومتها أقصى مداه.