قالت شخصيات سياسية لبنانية التقت الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إن الجولة الثالثة له في بيروت، التي وصفتها بـ"الاستطلاعية"، ركزت على الاستماع إلى مواقف الكتل النيابية من الحوار، والبدائل التي يمكن اللجوء إليها للوصول إلى تفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، تمهيداً لزيارة رابعة قادرة على إحداث خرق جدّي في جدار الأزمة.
واستوحى بعض النواب المعارضين لـ"حزب الله" وحلفه السياسي من حديث الموفد الرئاسي الفرنسي إليهم أنه يؤيّد وصول الجهات الفاعلة السياسية الممثلة في البرلمان إلى حلٍّ وسطيٍّ، بالاتفاق على اسم، أو طرح أكثر من شخصية لرئاسة الجمهورية، والنزول بها إلى مجلس النواب، حيث يُنتخب من بينها رئيس وفق عملية ديمقراطية.
واعتبر هؤلاء في حديث لـ"العربي الجديد" أن جولة لودريان وإن لم تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة، لكنها بنظرهم أقفلت صفحتي مرشح حزب الله وحركة أمل (برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري) رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ومرشح معارضي هذا الحلف الوزير السابق جهاد أزعور، وفتحت المجال تالياً للحديث عن مرشح ثالث، خصوصاً بعد تجربة جلسة 14 يونيو/حزيران الماضي، بعدما لم يتمكن أي منهما من الفوز وتأمين النصاب المطلوب لانتخابه، أي 86 نائباً من أصل 128 من الدورة الأولى.
وفي ختام زيارته الثالثة إلى بيروت، التقى الموفد الفرنسي برئيس البرلمان نبيه بري وغادر من دون الإدلاء بأي تصريح، في حين قال مصدرٌ مقرّب من بري، لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان عبّر عن رغبة بالعودة إلى لبنان لعقد اجتماع في قصر الصنوبر (مقرّ السفارة الفرنسية في بيروت) يبحث الإجابات التي تلقاها من الأطراف السياسية اللبنانية".
وقالت رئاسة الحكومة اللبنانية في بيان، الجمعة، إن "رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تلقى اتصالاً اليوم من الموفد الرئاسي الفرنسي، جرى خلاله البحث في نتيجة المحادثات واللقاءات التي عقدها الأخير في بيروت على مدى ثلاثة أيام، وجرى التأكيد المشترك أن نتائج المحادثات إيجابية بقرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية".
وأشار المصدر إلى أن "لودريان وضع بري في أجواء لقاءاته التي عقدها مع النواب والأحزاب السياسية، وكرّر أمامه التأكيد على أهمية الحوار الذي دعا اليه، وضرورة السير به بغض النظر عن شكله، أو مكانه، لأنه السبيل الوحيد لانتخاب رئيس، كما شدد له على أن مهامه مستمرة في الملف الرئاسي، وبدعم من اللجنة الخماسية، التي تضم قطر، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وسيطلع ممثلوها على نتائج جولته الثالثة".
وعُقد، أمس الخميس، اجتماع في دارة السفير السعودي وليد بخاري، ضمّ مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وعدداً من النواب السنة، مع تسجيل بعض الغيابات في صفوفهم، تناول البحث في الأزمة الرئاسية. وجرى الردّ "مشهدياً" خلاله على اتهامات طاولت الموفد الرئاسي الفرنسي، خصوصاً من قبل القوى المعارضة، بأنه يعمل من دون التنسيق مع اللجنة الخماسية، في إشارة إلى مواقفه من الحوار، وقبل ذلك تأييد فرنسا ترشيح فرنجية، ورسالته إلى النواب التي طالبهم فيها بأجوبة خطية حول مواصفات الرئيس وبرنامج عهده الجديد، ورفضوا بدورهم الردّ كتابةً عليها.
وسبق هذا الاجتماع لقاء في باريس بين لودريان والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي بخاري، بحث الملف اللبناني.
لودريان والبحث عن مرشح رئاسي ثالث
وقال النائب أشرف ريفي، من معارضي حزب الله، لـ"العربي الجديد"، إن لودريان حث على ضرورة انتخاب رئيس بأسرع وقتٍ ممكن، مشيرا إلى أن جدلاً حصل خلال اللقاء حول الحوار الذي ترفضه القوى المعارضة، وتعتبره غير دستوري، فكان ردّ الموفد الفرنسي بأنه يعلم أن كلمة حوار باتت "مسمومة" تبعاً للتجارب السابقة معه، معتبراً أنه يجب الحديث بأي صيغة كانت للوصول إلى النتيجة المطلوبة المتمثلة بانتخاب رئيس ووضع حدٍّ للشغور.
وأشار النائب إلى "أننا عبّرنا عن موقفنا من الحوار، إذ إننا لسنا ضدّه بالمبدأ، لكن اشتراطه قبل الانتخاب هو أمرٌ غير دستوريٍّ ولن نوافق عليه، وندعو إلى عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس".
وأضاف ريفي: "قناعتي أن لودريان كان ينوه بضرورة الذهاب نحو خيار ثالث، لكنه لم يلتزم بشكل واضح بهذا الخيار"، وتابع: "أنا أؤيد وصول قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، واعتبره الأوفر حظاً في هذه المرحلة".
ورأى أن "جولة لودريان الثالثة حرّكت المياه الراكدة الموجودة في المستنقع"، وقال: "باعتقادي، طويت صفحة المرشحين، أزعور وفرنجية، لكن الوصول إلى مرشح ثالث يحتاج إلى جهود إضافية، وبنظري لم تستوِ الطبخة بعد في هذا المجال".
وحول دعوة بري للحوار في سبتمبر/أيلول التي لاقت رفضاً واسعاً من غالبية القوى المعارضة، وما إذا كان سيدعو إليها "بمن حضر"، قال ريفي: "قد يفتح بري الحوار بمن حضر، وأنا لن أشارك فيه، وسأحضر عندما يفتح جلسات انتخاب متعددة".
من جهته، قال النائب في كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها بري) قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان استكمل جولتيه الأولى والثانية، وكان استبقها بتوجيه أسئلة إلى النواب، ويريد الحصول منهم على أجوبة عنها حتى يبني عليها".
وأضاف هاشم: "وصل لودريان بهذه الجولة إلى قناعة بأنه لا بد من الحوار لإنهاء مرحلة الشغور، بغض النظر عن تسميته أو شكله أو الصيغة التي ستُعتَمد به، إذ قال لنا سمّوه ما شئتم، حواراً، لقاءً تشاورياً، طاولة حوار، ليس مهماً، المهم هو التوافق لأن التجربة أثبتت، خصوصاً في الجلسة الانتخابية الأخيرة، أنه لا بد من اللقاء والبحث والتشاور بين المكونات اللبنانية في موضوع الاستحقاق لحلّ هذه المعضلة".
ولفت هاشم إلى أنه "لم يجر البحث أو التطرق إلى أي اسم للرئاسة، لكن بمجرد استناد الموفد الفرنسي إلى الجلسة الأخيرة في إشارة إلى عدم قدرة أي فريق على إيصال مرشحه إلى الرئاسة، فإن ذلك يعني أنه لا بدّ من اللقاء والتشاور، ليس بالضرورة للاتفاق على اسم معين، بل للتفاهم على مواصفات محددة، قد تنطبق على المرشحين الحاليين أو غيرهما"، مضيفا: "الحوار مهم من دون شروط".
وحول ما إذا كانت دعوة بري للحوار ستبقى قائمة رغم رفض غالبية قوى المعارضة الحضور، قال هاشم: "المشاركة هي مسؤولية وطنية، لا ترتبط بمكون واحد أو فريق سياسي محدد، من هنا فإن رئيس البرلمان يتطلع إلى مشاركة القوى السياسية كافة، لكنه في النهاية لن ينتظر إلى ما شاء الله، فالحوار مطلب ليس فقط لبناني بل عربي ودولي".
في السياق، قال مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "بياناً قد يصدر حول جولة لودريان الثالثة والخطوات المقبلة، أو موقفه بهذه المسائل، مع انتهاء زيارته".
وأشار المصدر إلى أن "لودريان لمس اختلاف وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين في مقاربة الملف الرئاسي وكذلك الحوار، ولا بد من التوصل إلى تفاهم بينهم لانتخاب رئيس، ووضع مصلحة البلد فوق الخلافات، لأن الأزمة الرئاسية لها انعكاساتها على شلل وتعطيل كل مؤسسات الدولة، والخطة الإصلاحية المطلوبة للنهوض بالبلاد اقتصادياً، وتعرقل كذلك دور مجلس النواب الواجب عليه إقرار تشريعات مالية إصلاحية".
وأضاف أن "مهمة لودريان مستمرة، وبدعم من اللجنة الخماسية، ولن يُطرح اسم معين لرئاسة الجمهورية"، مستدركاً: "لكن أي رئيس ينتخب يجب ألا يكون مستفزاً لأي طرف، ويكون جامعاً وقادراً على التواصل مع الأطراف كافة، محلياً، وعربياً ودولياً".