تتقاسم مدينة النجف العراقية القرار السياسي مع بغداد، كذلك أصبحت فاعلاً مؤثراً في ملفات أمنية واجتماعية ودينية وثقافية مختلفة خلال العقدين الماضيين، ما ألقى على عاتق إدارتها المحلية الكثير من التحديات اليومية التي يشرحها محافظ المدينة ماجد الوائلي.
مدينة النجف، التي تبعد عن العاصمة بغداد 160 كيلومتراً جنوبيّ العراق، يقصدها سنوياً ما لا يقل عن 10 ملايين زائر ديني من داخل العراق وخارجه، لوجود مرقد الإمام علي بن أبي طالب، وعدد من الأضرحة والمقامات والمواقع التاريخية ومكاتب المرجعيات الدينية العليا، ويسكنها اليوم أكثر من مليون و300 ألف نسمة، لتكون خامس مدن العراق اكتظاظاً بالسكان بعد بغداد والبصرة، وكركوك، وأربيل.
يقول الوائلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لمكانة وأهمية المدينة تاريخياً ودينياً، ولوجود الحوزة العلمية الدينية ومكاتب كبار مراجع الدين فيها، أصبحت النجف اليوم صاحبة قرار سياسي مهم ومؤثر".
ويؤكد الوائلي أن "هذه الأهمية تضعنا كحكومة محلية تحت تحديات عمل، ونحن أصبحنا تحت أنظار الكل داخلياً وخارجياً، وتُعد المحافظة من المحافظات المتصدرة في مجال الإعمار مقارنة ببقية المحافظات، ويأتي هذا لحرص المسؤولين فيها على طول تسلمهم المسؤولية".
ووفقاً للوائلي، فإن "التقاطعات السياسية تؤثر بعمل الحكومات المحلية بشكل عام، والتحاصص الحزبي يؤثر فيها سلباً، وأيضاً تجربة مجالس المحافظات (المجمدة في تشرين الثاني 2019) كانت ذات أثر معرقل وأدت إلى ضياع المسؤولية، والارتباك السياسي وعدم التوصل إلى اتفاق سياسي في بغداد يؤثر كثيراً بعمل الحكومات المحلية؛ فنحن نحتاج إلى تخصيصات مالية لإنجاز عملنا، وكلما تأخرنا في إقرار الموازنة العامة، فإن حجم نقص الخدمات يزداد".
وفي سياق أهمية المدينة، يبرز الحديث عن الملف الأمني والسلاح خارج إطار الدولة. ويتحدث الوائلي عن ذلك بالقول إن "ملف الأمن في النجف هو الأهم، فهي محافظة حدودية وأكثر مساحتها صحراء ممتدة مع دول الجوار، وكذلك مع محافظات أخرى ومع مناطق ما زال فيها عناصر إرهابية، وذلك يشكل تحدياً أمنياً كبيراً، فهنالك خروقات قد حصلت سابقاً، وكانت بسبب الصحراء، والنجف تختلف عن بقية مدن العراق، فأي حادثة بسيطة يكون أثرها كبيراً بسبب أهمية المدينة".
ويشرح الوائلي الملف الأمني للنجف بالقول إنه "مقسم إلى قسمين: داخلي يجري الاعتماد فيه على قوات الأمن المحلية، والقسم الخارجي، ويعتمد هذا على قوات الأمن الاتحادية.
والنجف، وفقاً للوائلي، "محاطة بثلاثة أطواق أمنية. الأول ممسوك من قبل الحشد الشعبي، والثاني تمسكه قوات حرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية، والطوق الثالث تحت صلاحيات ومسؤولية قيادة العمليات المشتركة وسلاح الجو العراقي وطيران الجيش، وهنالك خطط أمنية خاصة توضع في المناسبات الدينية تكون مشتركة، كذلك هنالك خطة أمنية خاصة لحماية منازل ومكاتب المرجعيات الدينية والحوزات الدينية".
وأوضح أن "توجه المجتمع في النجف هو رفض وجود أي سلاح خارج إطار الدولة ومؤسساتها. لذلك، تجد أن مدينة النجف (مركز المدينة يقصد) مدينة خالية من أي مظاهر مسلحة".
وأضاف الوائلي أن "الحريات وممارستها فيها عالية وغير مسبوقة من سنوات، فقد شهدت المدينة مساحة من الانفتاح، إذ كان سابقاً الكثير من النشاطات الفنية الشبابية ممنوعاً، أما الآن فهي تمارس بكل حرية، وهذا مؤشر على احترام الحكومات المحلية للحريات التي كفلها الدستور والقانون".
ويكشف الوائلي عن خطط لإعادة إعمار وتأهيل طريق الحج التاريخي، والمعروف بالطريق الكوفي أو طريق زبيدة، بالتعاون مع وزارة الإعمار لفتح منفذ مع المملكة العربية السعودية للتبادل التجاري والحج وبذات الوقت العمل على إدراج هذا الطريق على لائحة التراث العالمي، حيث التقينا وفداً من اليونسكو قبل أيام بخصوص هذا".
وعن مشكلة المخدرات والحرب التي تشنها قوات الأمن في مدن واسعة من البلاد، يؤكد الوائلي أن "الحالات التي تشخصها الأجهزة الأمنية في النجف غالباً هي حالات اتجار، لا تعاطٍ، وارتفاع هذه الأعداد مقارنة ببقية المحافظات تكون نسبته طبيعة مقارنة بالنجف وطبيعة الحركة وتوافد عدد كبير من الوافدين من داخل العراق وخارجه".
واعتبر أنه "بسبب الجهد العالي للأجهزة الأمنية التي تعمل بنشاط متميز وبشفافية، والأهم، فإن أغلب هذه الحالات (جرائم المخدرات) بسبب الداخلين الأجانب من جنسيات مختلفة، هنالك ملاحقة مستمرة للمتاجرين والمروجين والمتعاطين".
ويختم الوائلي تأكيده بحسم القضاء للعديد من ملفات ضحايا التظاهرات التي عمّت مدن جنوب ووسط البلاد وبغداد في الربع الأخير من عام 2019 واستمرت أكثر من عام، بالقول إن "هنالك حوادث راح ضحيتها عدد من المتظاهرين إبان تظاهرات تشرين، وهنالك عدد من القضايا حسم القضاء فيها وأصدر أحكاماً بحق متهمين (قمع التظاهرات) وأغلق ملفها".