تكشف الأحداث في دول الجوار الليبي مظاهر التدخل الخارجي، وشكله وحجمه، وسكوت المجتمع الدولي، الذي يضغط باتجاه إجراء انتخابات في البلاد، بدعوى الاهتمام باستقرارها دون أي تدخل خارجي.
منذ بدء الاشتباكات في السودان بدأ الحديث يتصاعد عن أثره على الجنوب الليبي، ليس بسبب الحدود المشتركة بين البلدين فقط، بل بسبب انتشار المئات من المسلحين في تلك الرقعة على علاقة بأحد طرفي الصراع، وتحديداً "الجنجويد" التابعة لقائد الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وإن كان ذات الوجود المسلح معروفا منذ مدة طويلة بالنسبة إلى الليبيين والأطراف الخارجية.
وعلاوة على أزمة مرتزقة "فاغنر"، الذين اعترفت موسكو بوجودهم في ليبيا بعد إنكاره لفترة طويلة، طفا إلى السطح لأسابيع عدة حديث عن حجم وقوة مسلحي حركات التمرد التشادية، إثر اتهامها بالتورط في مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، في إبريل/نيسان 2021.
يضاف إلى هذا عشرات الحوادث الأخرى، التي تكشف في كل مرة عن تدخل خارجي عسكري كبير في ليبيا، حتى من جانب دول كبرى كفرنسا، التي اضطرت للاعتراف بوجود قوات لها تقاتل في البلاد لدعم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إثر مقتل ثلاثة جنود فرنسيين جراء سقوط مروحيتهم غرب بنغازي في يوليو/تموز 2016.
ولا يبدو أن كل هذه الأحداث تكشف عن جديد بشأن التدخل العسكري الخارجي، بل تثيره في كل مرة من زاوية معينة وتظهره للسطح، وتضاف إلى ملف إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، الذي يعد من أهم الملفات الأساسية لتشكيل لجنة "5 +5" العسكرية الليبية المشتركة منذ أكتوبر 2020، والذي لا يزال قيد التداول ولم يتقدم خطوة واحدة.
وهذا الملف لا يتعلق باستقرار الأمن في البلاد فقط، ولا سيادتها ووحدتها، بل بات مسألة أساسية لإجراء الانتخابات بمعزل عن التدخلات الخارجية لإجرائها وتأثيرها في نتائجها.
لكن يبدو أن الأحداث في السودان ستكشف عن الأثر الأخطر في ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة. فهي ليست ككل الحروب الأخرى، وسط مخاوف من إمكانية تمددها للخارج، من بينها ليبيا.
وفي كل الأحوال، وسواء توغلت وبقيت في الجنوب الليبي من دون مقاومة، في ظل الانقسام الأمني والعسكري الليبي، أو في حال تشكل قوة ليبية عسكرية مشتركة مهمتها تأمين الجنوب، سيكون الحديث عن انتخابات في ظل هذه التهديدات الأمنية ضرباً من المستحيل.