أثار الهجوم الدموي الذي شنّته حركة الشباب على فندق يقع بالقرب من القصر الرئاسي في مقديشو، الأحد الماضي، موجة استياء عارمة في الأوساط السياسية والشعبية في الصومال. وأدى الهجوم إلى مقتل 15 شخصاً، من بينهم 8 مدنيين وجندي حكومي، وتصفية جميع المهاجمين الستة الذين اقتحموا الفندق، وتحصنوا بداخله لمدة 20 ساعة متواصلة، حبس خلالها سكان مقديشو الأنفاس حول ما يجري بالقرب من القصر الرئاسي الشديد التحصين.
هذا الهجوم دفع إلى التساؤل حول قدرات "الشباب" على تنفيذ هجمات نوعية جديدة تستهدف مقار حكومية وأمنية حساسة في قلب العاصمة، التي شهدت منذ تولي حسن شيخ محمود رئاسة البلاد في مايو/أيار الماضي، ستة تفجيرات دموية، أعنفها هجوم زوبي في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي راح ضحيته نحو 400 شخص بين قتيل وجريح.
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أثناء مشاركته في مؤتمر للاستثمار في العاصمة الإثنين الماضي: "نحن في مواجهة مفتوحة ضد إرهاب عالمي، وهناك بعض الجهات التي تقف إلى جانبنا وتساندنا في القضاء على هذا الإرهاب، والتعاون في هذا التوقيت ضروري وهو السبيل الوحيد للتغلب على هذا الإرهاب"، في إشارة ضمنية إلى "الشباب".
وتخوض الحركة صراعاً مسلحاً ضد الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ عام 2007، بذريعة وجود قوات أفريقية تخدم الأجندة الغربية والأميركية، وترفع "الشباب" شعار عدم التفاوض مع الحكومة الصومالية في ظل وجود تلك القوات الأجنبية في البلاد.
وأمر شيخ محمود أجهزة الأمن الصومالية (جهاز المخابرات والأمن القومي) بفتح تحقيقات أمنية حول ملابسات الهجوم على الفندق القريب من القصر الرئاسي، وتقديم تقرير أمني مفصل في غضون أربعة وعشرين ساعة بعد انتهاء عملية فك الحصار عن الفندق مساء الإثنين الماضي، ومباشرة اعتقال عدد من أفراد الحرس المنتشرين في التقاطعات المؤدية إلى القصر الرئاسي.
تساؤلات عن الإجراءات الأمنية في مقديشو
ويتساءل محللون عن مدى نجاعة الجهود الأمنية التي تبذلها السلطات الأمنية في مقديشو، والتي نشرت حواجز إسمنتية في الشوارع والتقاطعات الرئيسة في العاصمة، لكن الخروقات الأمنية ما زالت مستمرة، وتحصد آلة العنف أرواح الأبرياء في الشوارع وفي الفنادق التي يرتادها مسؤولون حكوميون ومدنيون على حد سواء.
وفي السياق، يقول الكاتب الصحافي سليمان آدم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الهجمات النوعية التي تنفذها الحركة في مقديشو، في المرحلة الراهنة بالذات، هي مجرد استعراض عضلاتها العسكرية، ولإظهار أنها لم تُقهر بعد كما تقول السلطات، التي أعلنت الحرب على الحركة منذ تولي شيخ محمود الرئاسة.
آدم: أمن مقديشو يشهد خرقاً كبيراً، بعد أن ركزت الحكومة على حربها ضد "الشباب" من دون أن تفكر في تأمين العاصمة
ويتساءل آدم: "كيف تمكنت حركة الشباب من الوصول إلى فندق مجاور للقصر الرئاسي؟"، مشيراً إلى أن هذا دليل واضح على أن أمن مقديشو يشهد خرقاً أمنياً كبيراً، وذلك بعد أن ركزت الحكومة الفيدرالية على حربها فقط ضد "الشباب" من دون أن تفكر ملياً في فتح جبهات عسكرية ضد الحركة وتأمين العاصمة.
ويضيف: "من الواضح أن هذه الحملة العسكرية ضد الحركة جرت من دون دراسة مسبقة، وأن اعتمادها على سياسة تسليح العشائر لمكافحة الحركة أشبه بقنبلة أمنية موقوتة، ما يطرح تساؤلاً حول مستقبل تلك المليشيات المسلحة التي تمتلك أسلحة مختلفة، وآلية ضبط ذلك السلاح المنفلت بعد انتهاء مواجهات حركة الشباب بهزيمتها أو بقائها ضعيفة مشلولة على الأقل؟".
ويشير سليمان إلى أن دمج العشائر في القتال ضد "الشباب" من دون وضع استراتيجية مستقبلية لمعالجة وضع مقاتليها، إما بدمجهم في الجيش أو نزع السلاح منهم مجدداً، سيؤدي إلى كارثة أمنية جديدة في بلد عانى طويلاً من احتراب أهلي. ويحذر من أن إمكانية عودة البلاد إلى مربع العنف الأهلي واردة، إذا لم تتوفر لدى الحكومة الفيدرالية استراتيجية أخرى للاستغناء عن دور مسلحي العشائر والاعتماد على قواتها فقط لهزيمة "الشباب".
مكمن الخلل في مواجهة "الشباب"
وحول مكمن الخلل في مواجهة "الشباب" وتثبيت أمن مقديشو، يرى محللون أن غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية وعدم وجود محاسبة للجهات الإدارية التي تراخت في حفظ الأمن، هو السبب الرئيس في استمرار هجمات الحركة في العاصمة التي لا تفارقها الهجمات الانتحارية.
الحاج: التركيبة العشائرية المعقّدة وتقاعس السلطات في ضبط الأمن في العاصمة، يسبّبان فشلاً كبيراً في مواجهة الحركة
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل الأمني حسن محمد الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التركيبة العشائرية المعقّدة في الصومال من جهة، وتقاعس السلطات الأمنية في ضبط الأمن في العاصمة من جهة ثانية، يسبّبان فشلاً كبيراً في مواجهة الحركة المتغلغلة داخل المجتمع الصومالي. ويشير إلى أن الهجوم الأخير الذي وقع بالقرب من القصر الرئاسي، يوحي بأن الحكومة الفيدرالية وأجهزتها الأمنية لن تتمكن قريباً من إيقاف عمليات "الشباب".
ويؤكد أن على الحكومة الصومالية أن تبذل مزيداً من الجهود لمعالجة الملف الأمني، والتعامل مع هذا الملف بكل حزم، وذلك من خلال تطوير الأجهزة الأمنية التي تفتقر إلى الخبرة في مجال ضبط الأمن في البلاد.
ويخوض الجيش الصومالي في الآونة الأخيرة حرباً شرسة ضد "الشباب" في إقليمي جلمدغ وهرشبيلي (وسط البلاد)، ومن المتوقع أن تبدأ أقاليم فيدرالية في جنوب الصومال الشهر الحالي فتح جبهات عسكرية ضد الحركة، ما يمكن أن يقوّض قدرات "الشباب" على مواجهة جبهات عسكرية مشتعلة في أكثر من إقليم نتيجة عدد أفرادها الذي يتراوح بين 5 و10 آلاف مقاتل.
ضحايا صراعات الصومال بالأرقام
وكشف تقرير للصليب الأحمر الدولي، الإثنين الماضي، أن الإصابات بالصراعات في الصومال ازدادت بنسبة 30 في المائة هذا العام مقارنة بعام 2021، وأن 57 حادثة أسفرت عن سقوط ضحايا تم تسجيلها عام 2022، بينما سُجلت 43 حادثة أدت إلى خسائر بشرية عام 2021.
وحول عدد الإصابات التي تلقت علاجاً من الفرق الطبية التابعة للصليب الأحمر الدولي في الصومال، كشف التقرير أن 2113 شخصاً تلقوا علاجاً طبياً بعد تعرضهم لأحداث عنف، وأن عدد ضحايا هذا العام يفوق العدد الذي سجلته المنظمة عام 2021 بـ197 شخصاً.
وشهد عام 2019 مقتل 591 شخصاً وإصابة 868 آخرين بجروح، بينما سُجل في 2018 مقتل 651 شخصاً وجرح 867 شخصاً، ما يجعل عدد الضحايا في هذين العامين 2977 شخصاً.