أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أن مشاركتها في القمة الـ37 لدول مجلس التعاون الخليجي تأتي بهدف فتح "صفحة جديدة" لبلادها مع دول الخليج، معربة عن عدم رضاها عن مستوى هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة. وحددت ماي معالم العلاقة الاستراتيجية الجديدة في عناوين رئيسية، على رأسها مكافحة الإرهاب، والتصدي لعدوان إيران، إلى جانب قضايا أخرى تحظى باهتمام مشترك، مثل قضايا التجارة والأمن والحرب في سورية واليمن.
في العنوان الرئيس الأول، اعتبرت تيريزا ماي أن "أمن الخليج هو أمن بريطانيا أيضاً، والإرهاب الذي يستهدف دول الخليج يستهدف شوارعنا أيضاً". أما ما يخص إيران، فأكدت أن "هناك تهديداً واضحاً من قبل إيران لدول الخليج، وهو ما يتطلب بناء خطة استراتيجية تجاه تلك المسألة". وإن بدى في ظاهر القول إن هناك توافقاً خليجياً بريطانياً في العناوين الاستراتيجية التي وضعتها تيريزا ماي على رأس "الصفحة الجديدة"، إلا أن هذا لا يخفي التباين الجوهري في مواقف لندن والعواصم الخليجية من مسألتي "الإرهاب"، والموقف من إيران.
تباين في تعريف الإرهاب
منذ إعلان الولايات المتحدة الأميركية "الحرب على الإرهاب" قبل نحو 15 سنة، وانتقال "مواجهة التطرف" إلى مقدمة الأجندات السياسية الغربية، توسعت هوة التباين بين دول العالم حول تعريف مفهوم "الإرهاب". ووصل التباين إلى حد الخلاف، عندما سعت بعض الدول إلى توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل ما أطلقت عليه "التطرف غير العنيف". وتقول الباحثة في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس"، جين كيننمونت، إن هذا التباين يظهر جلياً في العلاقات البريطانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، فبينما تتفق بريطانيا والحلفاء في مجلس التعاون على ضرورة التعاون لمكافحة الإرهاب، وخاصة مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتنظيم "القاعدة"، إلا أن هناك خلاف واضح في تعريف كل طرف لـ"الإرهاب"، الذي يعني في السياسة الحالية للمملكة المتحدة، كل "أيديولوجية تعارض القيم الديمقراطية الليبرالية"، وهذا لا يتوافق مع تعريف دول الخليج العربي للإرهاب. ويثير توسيع مفهوم التطرف ليشمل ما يُطلق عليه "التطرف غير العنيف" مخاوف جدية لدى الدول الغربية، التي تخشى أن تقوم حكومات مجلس التعاون الخليجي، بتوسيع دائرة "الإرهاب" لتشمل معارضين سياسيين. ويزداد الأمر تعقيداً عندما يغيب التوافق داخل دول مجلس التعاون الخليجي بشأن تعريف "الإرهاب"، وبالتالي عدم التوافق حول الحلول أو السياسات الأنسب لمكافحة التطرف ومواجهة الإرهاب.
تباين في الموقف من إيران
يرى الدبلوماسي البريطاني السابق، جون جنكينز، الذي عمل سفيرا للمملكة المتحدة في السعودية وسورية والعراق وليبيا وبورما، ويشغل حالياً منصب مدير في المعهد الدولي للدراسات الدولية بالبحرين، أن الاتفاق النووي الذي عقدته القوى الدولية، بما فيها بريطانيا، مع إيران في يوليو/تموز 2015، أثار قلق العديد من دول المنطقة، الغاضبة من سلوك طهران وسياساتها التي تدعم الاضطراب والفوضى والعنف في المنطقة، عبر تدخلها في سورية والعراق واليمن. وشعر القادة السعوديون، خصوصاً، أن الحلفاء التاريخيين لهم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تخلوا عنهم تماماً، لصالح الاعتراف بالدور الجديد لإيران في المنطقة. وقد حاول المسؤولون الغربيون، تبديد المخاوف الخليجية، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات تيريزا ماي خلال الساعات الماضية، حيث أكدت للقادة المجتمعين في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، أنها "تدرك المخاوف في أنحاء الخليج بشأن نهج إيران من حيث أفعالها التي تزعزع استقرار المنطقة"، لذلك "نحن ملتزمون تماماً بالعمل مع شركائنا في دول الخليج للمساعدة في حماية أمنهم، ودعم دول الخليج بثبات ضد أي تدخل إيراني في شؤونهم الداخلية".
لكن هذا الموقف الغربي، الذي عبرت عنه رئيسة الوزراء البريطاني، لا يعني "شيكاً على بياض"، كما يقول أحد المراقبين الغربيين، إذ أن بريطانيا وغيرها من الدول الغربية تبدي امتعاضاً وتخوفاً من الاتهامات المتبادلة بين طهران ودول مجلس التعاون، وترى فيها حرباً كلامية تخفي خلفها صراعاً مذهبياً متراكماً. وفي هذا الصدد، تقول كينينمونت إن خلف الحرب الكلامية بين السعودية وإيران، ما هو أكثر عمقاً، وإثارة للقلق على المدى الطويل وقد يمتد الى جيل كامل من أبناء الشرق الأوسط. وترى الكاتبة أن استغلال السعودية وإيران لورقة الهوية المذهبية مثير للقلق، ويمكن أن يُسمم المنطقة لعقود مقبلة. من هنا تميل الدوائر السياسية في المملكة المتحدة لنصيحة حلفائها في السعودية، وحث شركاءها السياسيين في إيران، لوقف هذا التحريض قصير النظر، الذي قد يُؤجج مخاطر العنف الطائفي على مستوى العالم.
توافق منقوص في سورية
لا تظهر الدوائر السياسية الخليجية رضاً كاملاً عن الموقف البريطاني من الأزمة السورية، فبينما ترى معظم العواصم في الخليج أن حل الأزمة السورية لا بد وأن يكون عبر رحيل بشار الأسد عن الحكم، تبدو لندن غير حاسمة في ذلك، بل وتبدو المواقف الصادرة عن المسؤولين البريطانيين مشوشة إلى حد التناقض. ويرى منتقدو الحكومة البريطانية أن التغيير في أولويات الاستراتيجية البريطانية، وتقديم هزيمة "داعش" على أولوية إسقاط نظام الأسد، ينطوي على مغامرة وعواقب سلبية، خصوصاً إذا فشلت هذه الاستراتيجية بإلحاق هزيمة بـ"داعش"، وبدلاً من ذلك ساعدت نظام الأسد على البقاء. وتمانع الدوائر السياسية البريطانية الانجرار وراء التحريض الخليجي لتوسيع التدخل العسكري البريطاني في سورية والعراق، خشية أن يؤدي أي تصعيد في التدخل البريطاني إلى استفزاز وتأجيج مشاعر الجالية المسلمة، ودفع المزيد من الشباب البريطاني المسلم نحو التطرف. كما تخشى بريطانيا التورط مجدداً في وحل حرب أخرى في الشرق الأوسط، وهي لم تكد تخرج من تداعيات مشاركتها العسكرية في العراق وأفغانستان. وعلى المستوى الدولي، وبينما يقدر السياسيون البريطانيون أهمية توسيع الدور البريطاني في سورية، لإقناع حلفائهم الخليجيين "السنة"، بدور لندن الفاعل والمؤثر على المستوى العالمي، تخشى بعض الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية أن يؤدي التدخل المباشر في سورية إلى استفزاز موسكو، وربما الدخول في مواجهة مباشرة معها، وهو الأمر الذي لا ترغب بريطانيا به.
مصالح استراتيجية
التباين في الملفات لا يعني التغير في الاستراتيجيات، فقد وضعت الحكومة البريطانية في العام 2010، وثيقة تُعرف باسم "مبادرة الخليج" أكدت فيها التزام المملكة المتحدة بعلاقاتها مع دول المنطقة، وتقديرها للمصالح الحيوية والأمنية والاستراتيجية للمملكة المتحدة في المنطقة. وقد ترجمت، تيريزا ماي، مضمون "مبادرة الخليج"، السابقة للأزمتين السورية والعراقية، والسابقة للاتفاق الدولي مع إيران، بالتأكيد على أهمية تطوير القدرات الدفاعية والتسليحية لدول الخليج، ومن المرجح أن يكون هذا الملف على رأس أجندة التعاون البريطاني الخليجي، وسط توقعات بازدياد مبيعات الأسلحة. فقد كشف تقرير جديد لمعهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أن واردات الأسلحة العالمية إلى الدول العربية، وبخاصة الخليجية، سجلت صعوداً دراماتيكياً، بحسب أرقام عام 2016.
ووفقا للتقرير، فإن بريطانيا فازت بالجزء الأكبر من صفقات تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات، حيث تقدر مبيعات الشركات البريطانية من الأسلحة إلى السعودية بأكثر من 5.6 مليارات جنيه إسترليني منذ عام 2010. وكشف تقرير لصحيفة "ذا أوبزرفر"، في أغسطس/آب الماضي، أن بريطانيا أصبحت تسيطر على 12 في المئة من سوق تصدير الأسلحة الدولية، وفي خلال الـ10 سنوات الأخيرة أصبحت ثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم. وقالت "الأوبزرفر" إن السعودية تعتبر أهم مستهلك للأسلحة البريطانية، إذ حصلت على صفقات عسكرية تبلغ قيمتها 3.5 مليارات جنيه إسترليني منذ بداية عام 2015 لاستخدامها في حملتها على اليمن. وقالت الصحيفة إن الشرق الأوسط يعتبر السوق الأهم لتجارة الأسلحة البريطانية، ففي العامين الماضيين وافقت لندن على صفقات أسلحة بقيمة 388 مليون جنيه إسترليني لصالح دولة الإمارات، و170 مليون جنيه إسترليني لقطر، و120 مليون جنيه لسلطنة عمان، و24 مليوناً للبحرين.