ما بين اللقاءين حصلت تطورات كثيرة يمكن تلخيصها بجملة واحدة وهي أن بوتين انتشل الأسد من الموت، وسبق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قال ذلك بصريح العبارة في مطلع العام الحالي: "إن العاصمة دمشق كانت ستسقط أثناء أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين لولا هذا التدخل".
صحيح أن إيران لم تترك وسيلة منذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011 إلا واستخدمتها من أجل منع نظام الأسد من السقوط، إلا أن صاحب الفضل على الأسد هي روسيا التي خاضت معركة النظام بكل الأسلحة، عسكرياً ودبلوماسياً وحتى اقتصادياً، ولذلك ليس غريبا أن تكون اليوم صاحبة اليد الطولى في هذا البلد.
حين ذهب الأسد إلى موسكو قبل عامين كان الرأي السائد هو أن الروس استدعوه كي يبلغوه بضرورة أن يستعد للرحيل، ذلك أن وضع نظامه لم يكن يسمح بأكثر من ذلك، ولكن حصل العكس، وسار الروس باتجاه هدف واحد وهو إيقاف النظام على قدميه.
اليوم يريد البعض أن يوهم السوريين بأن الروس استدعوا الأسد من أجل فتح صفحة جديدة، عنوانها "العملية السياسية" التي تقوم على مشاركة النظام والمعارضة في فتح صفحة جديدة، ولكن في حقيقة الأمر كان اللقاء مكرسا ليشرحوا له دوره كحاكم مفوض من قبل نظام الوصاية والاحتلال الروسي.
هذا الواقع يؤكده تصريح لافروف صباح اليوم، حين أعلن ابتهاجه باستقالة منسق الهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب مع مجموعة من قيادة الهيئة قبل يومين من مؤتمر الرياض2 للمعارضة السورية من أجل انتخاب هيئة جديدة، وتشكيل وفد جديد لمفاوضات جنيف.
ورحب لافروف باستقالة حجاب وزملائه الذين وصفهم بـ"المتشددين"، واعتبر انسحابهم يسهل توحيد المعارضة في الداخل والخارج. والمقصود من ذلك أمران لا أكثر، الأول، دمج ما يعرف بـ"منصة موسكو" في وفد المعارضة، وبالتالي إسقاط مطلب المعارضة بضرورة رحيل النظام ورئيسه كشرط لأي تسوية سياسية. والثاني فتح الطريق نحو مفاوضات على أساس تشكيل حكومة وحدة وطنية، بدل هيئة الحكم الانتقالية التي نص عليها بيان جنيف1 عام 2012. وهذا يعني إسقاط جنيف1 وتثبيت النظام بموافقة المعارضة، وتمهيد الطريق نحو انتخابات تشريعية ورئاسية يترشح فيها بشار الأسد.
من يراقب صور لقاءي بوتين الأسد سيجد الكثير من العلامات التي تصلح لتركيب مشهد يلخص العلاقة المستقبلية بينهما، ولكنه سيقف عند نظرة بوتين التي بقيت واحدة في اللقاءين، رغم اختلاف الزمان والمكان.
هي نظرة ثاقبة لا تحمل غير معنى واحد، نظرة من هو في القمة إلى من هو في الحضيض، عدا عن أن الأسد ظهر في جميع الصور وحيدا، في حين شارك إلى جانب بوتين وزير دفاعه ورئيس أركانه وضباطه الذين صنعوا انتصار تثبيت النظام.
لن يتغير الحال كثيرا بالنسبة للسوريين الذين لا يرون في بوتين والأسد سوى مجرمَي حرب، ورغم فداحة الخسارة على شعب قدّم تضحيات لا حصر لها من أجل حريته، فإن إعادة إنتاج الأسد أمر مستحيل، فالغوطة التي هي على بعد 10 كيلومترات من قصر الأسد، لا تزال عصية عليه بعد ست سنوات من الحصار والحرب التي استخدم فيها أقذر الأسلحة لاسيما، الكيميائي والتجويع.
يعرف الروس قبل غيرهم أن إعادة بشار الأسد إلى حكم سورية مستحيلة، ولذلك لن يكون أكثر من واجهة لهم، يحكمون من خلاله سورية التي باتت مقاديرها بيد الاحتلال الروسي الذي يتحكم بكل شيء، بما في ذلك ضبط إيقاع الأدوار الأخرى، الأميركي والإيراني والتركي.