يواجه مئات الآلاف من اللاجئين إلى السودان ظروفاً صعبة أخطرها على الإطلاق عصابات الاتجار بالبشر، إضافة إلى ضعف الخدمات المقدمة لهم، وتعقيدات تقنين وجودهم القانوني وغيرها.
من بين هؤلاء الشاب السوري قصي (17 عاماً) الذي استقر قبل 5 أعوام مع أسرته المؤلفة من والدته و3 أشقاء في منطقة سوبا بالعاصمة الخرطوم، بعدما فروا من الحرب الأهلية في بلدهم. وفشل قصي في إكمال تعليمه، ولم يحصل على عمل لمساعدة أشقائه بعدما فقدوا والدهم في الحرب الأهلية السورية، علماً أنّ الأسرة واجهت أيضاً مشكلة فرض غرامات عليها والتهديد برميها في السجن بسبب عدم تسوية أوضاعها القانونية، إثر سلسلة قرارات جديدة اتخذتها الحكومة السودانية في حق الأجانب.
وليس وضع قصي أقل سوءاً من أكثر من ألفي لاجئ من دولة جنوب السودان، يعيشون في مخيم بائس بمنطقة الحاج يوسف، جنوب الخرطوم، وذلك عقب فرارهم من الحرب الأهلية التي اندلعت في دولتهم عام 2013، والتي لم يعودوا إليها حتى بعد توقيع اتفاق سلام نهاية عام 2018.
يملك السودان تاريخاً طويلاً في استقبال موجات اللجوء من دول الجوار التي تعاني من نزاعات وموجات جفاف وعدم الاستقرار والتضييق على المواطنين، كما هي الحال في إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى.
وحصلت آخر موجات الهروب إلى السودان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين اندلعت الحرب في إثيوبيا بين الجيش الفيدرالي وجبهة تحرير إقليم تيغراي المحاذي لحدود السودان، ما أدى إلى لجوء أكثر من 70 ألف شخص يقيمون حالياً في مخيمات بولايتي كسلا والقضارف (شرقي السودان). كما استقبل السودان المنهك اقتصادياً حوالى 400 ألف لاجئ من جنوب السودان منذ عام 2013، يمكثون في مخيمات بولايات حدودية مثل النيل الأزرق وجنوب دارفور، إضافة إلى 3 مخيمات بالعاصمة الخرطوم.
وسبق أن استقبل السودان أكثر من 250 ألف لاجئ من سورية، قبل أن يتقلص عددهم إلى 70 ألفاً في الفترة الأخيرة، بسبب الظروف المعيشية الخانقة، والتضييق الذي مارسته السلطات السودانية عليهم عبر تخييرهم بين إصدار تصاريح إقامة باهظة الكلفة مالياً، أو مواجهة غرامات ومنعهم من العمل إلا وفق إجراءات معقدة.
كذلك، استضاف السودان لاجئين من اليمن وبلدان أخرى مثل الصومال ودول غرب أفريقيا. وجميعهم قصدوا السودان كنقطة للدخول إلى أوروبا أو إسرائيل، ما جعل مئات منهم يواجهون عصابات الاتجار بالبشر العابرة للحدود، والتي تخطفهم وتطلب فدى مالية من ذويهم لإطلاقهم.
وفي محاولة من السلطات للحدّ من هذه الظاهرة، أقرّت عام 2014 تشريعاً خاصاً لمكافحة نشاطات عصابات تهريب البشر، لحظ فرض عقوبات مشددة على المتورطين. لكنّ ذلك لم يمنع استمرار الظاهرة بدليل أنّ أجهزة الشرطة وقوات الدعم السريع تعلن دائماً عن تحرير رهائن من اللاجئين، آخرهم 63 فتاة يوم الجمعة الماضي في ولاية القضارف، المحاذية للحدود الشرقية مع إثيوبيا.
"لعنة" نظام البشير
بخلاف عصابات الاتجار بالبشر، يواجه اللاجئون السوريون وأولئك من جنوب السودان تحديداً، مشكلة خاصة تتمثل في حرمانهم من حقوق اللاجئين في القوانين الدولية، ومن كل المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية وبينها مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، باعتبار أن نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير أصدر عام 2017 قرارات سمحت بمعاملة السوريين والجنوبيين باعتبارهم مواطنين.
يوضح السلطان خميس ديمو، وهو لاجئ من جنوب السودان، لـ "العربي الجديد" أنّ "المنظمات الدولية تقدم مساعدات مالية بالدولار لجميع اللاجئين المقيمين في السودان، باستثناء الجنوبيين، عطفاً على قرار نظام البشير بمعاملتهم كمواطنين. وهم محرومون أيضاً من خدمات تعليمية وصحية، لأنهم غير مصنفين لاجئين". يضيف ديمو: "نعيش في مخيم بمنطقة الحاج يوسف تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة وبينها مياه الشرب والسكن المريح والرعاية الصحية، في وقت ترتفع كلفة العلاج في السودان. أبنائي بلا تعليم، وقد عقد سكان المخيم سلسلة اجتماعات وورش عمل مع ممثلي مفوضية شؤون اللاجئين من دون تحقيق أي نتائج حتى اليوم".
من جهته، يقول الصحافي من جنوب السودان المقيم في الخرطوم، مايكل أتيت، إنّ "غالبية لاجئي جنوب السودان فقدوا الأمل في الحياة لعدم تمتعهم بصفة لاجئين، ويعملون في مهن هامشية للتأقلم فقط مع الظروف المعيشية الصعبة في السودان. وهذا الأمر ولّد أزمات بينهم كمجموعات، ونقل الصراع القبلي الموجود أساساً في جنوب السودان الى مخيماتهم وتجمعاتهم. وأعتقد أنّ النظام السابق مسؤول عن الواقع الحالي لأنّه لم يقدم المساعدة المناسبة لتنظيم وجود اللاجئين الجنوبيين، بخلاف ما يحصل حالياً مع اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين وغيرهم".
من جهته، يعتبر اللاجئ السوري ناصر أبو إسلام، أنّ "قرار النظام السابق عدم تسمية السوريين كلاجئين عرقل حصولهم على الحقوق الواردة في الاتفاقات الدولية. أما باقي الصعوبات الخاصة باللاجئين السوريين في السودان فأبرزها قرار الحكومة الحالية إلغاء الإقامات التي منحها لهم النظام السابق، وصعوبة تسوية أوضاعهم القانونية، وسحب الجنسيات السودانية من بعضهم، ونظرة بعض المواطنين السودانيين السلبية إليهم نتيجة ارتكاب عدد قليل من السوريين جرائم، لذا آثر كثيرون العودة إلى بلدهم، أو بحثوا عن أوطان بديلة في العراق وتركيا وليبيا".
لا فرص عمل
ومن المشكلات التي تواجه اللاجئين في السودان، عدم توفر فرص عمل بسبب قلتها بالدرجة الأولى، ثم بسبب الشروط التي تفرضها السلطات. وتظهر هذه المشكلة في قصة اللاجئ الإثيوبي تسفاي (اسم مستعار لدواعٍ أمنية)، الذي يقول لـ "العربي الجديد": "اعتقلتني السلطات داخل محل حلاقة عملت به وأودعتني السجن، ثم خرجت بعدما دفعت غرامة مقدارها 100 ألف جنيه (نحو 230 دولاراً أميركياً) لعدم امتلاكي إذن عمل أو وثيقة إقامة".
وتتكرر هذه القصة لدى لاجئين كثيرين، لا سيما أولئك الذين يعملون في المطاعم والمصانع وورش الحدادة، علماً أنّ عقوبات الغرامات للمخالفين تشمل أيضاً صاحب المصنع أو العمل حتى لو كان سودانياً، ما دفع الأخيرين إلى تجميد تشغيل اللاجئين.
تذكر المحامية منال خوجلي، التي تنشط في الدفاع عن اللاجئين في حديثها لـ "العربي الجديد" مشكلات أخرى واجهت اللاجئين في السودان. وتشير الى أن "هذه المشكلات ارتبطت خصوصاً بواقع أنهم لجأوا إلى البلاد لأسباب سياسية، وأخرى تتعلق لمواجهتهم ملاحقات أمنية في بلدانهم، ما جعل نظام البشير السابق يعقد صفقات وتسويات مع بلدانهم لتسليمهم إليها، الأمر الذي عرّض حياتهم لخطر حقيقي في غياب حق الحماية المنصوص عليه دولياً".
وتتحدث خوجلي أيضاً عن "مشكلة أخرى نتجت من بطء توثيق أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء، خصوصاً أن غالبيتهم قدموا إلى السودان بلا أوراق ثبوتية، وبلا معرفة كافية بآليات الحصول على بطاقة لاجئ، لذا بقوا فترات طويلة في مرحلة الانتظار من دون التمتع بأي ميزات سواء تلك الخاصة باللاجئين أو طالبي اللجوء حسب التصنيف الدولي".
وتشير إلى أن "مشكلات عدم توفير سكن آمن للاجئين وخدمات صحية وتعليمية، يجعل معظمهم لا يرغبون في الاستقرار نهائياً في السودان، ويعلقون كل آمالهم على إعادة توطينهم في أوروبا أو أستراليا، وغيرهما من بلدان المهجر".
وتضيف خوجلي: "مع فشل بعض اللاجئين في تشريع أوضاعهم، يقررون المغامرة بالهجرة عبر طرق سرية، ما يعرضهم للابتزاز والاستغلال، خصوصاً النساء اللواتي يواجهن خطر التحرش الجنسي من أفراد العصابات العابرة للحدود. لذا نطالب الحكومة بإعادة النظر كلياً في خطط وبرامج التعامل مع ملف اللاجئين".
عواقب وخيمة
يعزو الشرطي عمر عثمان السلبيات في تعامل السلطات مع ملف اللاجئين إلى "ضعف قدرات السودان وإمكاناته، وصعوبة سيطرته على مساحة حدوده الطويلة، ما حتم اتخاذه قرار تقليل وجودهم وحصر عددهم، كما أنّ جهود منظمات المجتمع المدني محدودة جداً في توفير سبل تلبية احتياجاتهم".
يقول لـ "العربي الجديد": "الحلّ الأسهل لتجاوز العوائق يتمثل في تقوية أجهزة الشرطة وتأهيلها إدارياً لتنفيذ مهمات في هذا المجال، وتقديم الدعم الكامل للاجئين، والبدء في إعداد قاعدة بيانات خاصة عنهم. كما يجب حث منظمات المجتمع المدني على تفعيل دورها في مجال العمل مع اللاجئين، وإنشاء مخيمات خارج المدن".
ويحذر عثمان من العواقب الوخيمة لتجاهل ملف اللاجئين وعدم الاهتمام به، والذي يُفاقم التأثيرات السلبية للجوء ويزيد انتشار الجريمة وبيع المخدرات وظاهرة التسوّل، والأعباء على الخدمات العامة خاصة في المدن، ويتسبب في مشكلات ثقافية واجتماعية كبيرة.