يجتاز النازحون الفلسطينيون في غزة يومياً مسافات طويلة لتوفير المياه، سواء مياه الشرب أو الخاصة بالاستخدام اليومي، إذ قطع الاحتلال الإسرائيلي إمدادات المياه، ودمَّر البنية التحتية منذ اليوم الأول لحرب الإبادة قبل 13 شهراً، ما سبّب خلق أزمة مياه خانقة يعانيها كل سكان القطاع. وإلى جانب قطع خطوط المياه بشكل مباشر، وتدمير البنية التحتية، أوقف جيش الاحتلال إمداد غزة بالمياه من الآبار التي تدفع ثمنها السلطة الفلسطينية، فيما سبّب انقطاع التيار الكهربائي إضعاف قدرة البلديات على متابعة وصل خطوط مياه الاستخدام اليومي وفق الجداول المتبعة. كما أدى الإغلاق الكامل للمعابر ومنع دخول مشتقات البترول التي تعين البلديات على توفير بدائل الكهرباء، إلى توقف محطات معالجة مياه البحر، والتي يمكنها توفير بديل مؤقت عن مياه البلديات، وإن كانت بجودة أقل.
ويتدافع الآلاف يومياً للحصول على كميات من المياه، لتظهر طوابير طويلة أمام المحطات، أو صنابير المياه العامة، وكذا أمام شاحنات توزيع المياه الصالحة للشرب. وتتضاعف حدة الأزمة بفعل الأوضاع الصعبة التي يعانيها النازحون الذين خسروا مصادر دخلهم، مع عدم تمكنهم من شراء المياه المتوفرة بكميات محدودة كون أسعارها مضاعفة، الأمر الذي يدفع الآلاف إلى الاصطفاف في الطوابير اليومية، والانتظار لساعات طويلة للحصول على كميات ربما لا تكفي لاستخدامهم اليومي.
يقول الفلسطيني أمجد السكني، إنه يخصص وقتاً طويلاً من يومه لتوفير المياه، كما يضطر إلى شراء المياه المخصصة للشرب لأسرته التي نزحت من حي النصر بوسط مدينة غزة إلى مدينة دير البلح في وسط القطاع، حيث يعيشون داخل خيمة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية. يضيف السكني لـ"العربي الجديد"، أن "الاستهداف الإسرائيلي المباشر للبنية التحتية، بما فيها شبكات المياه، إلى جانب إقامة مخيمات إيواء عشوائية في مناطق غير مؤهلة أصلاً يزيد من عمق الأزمة، ويضاعف الإرهاق اليومي للحصول على المياه، ونقلها إلى مسافات طويلة. يعاني النازحون كل تفاصيل الأزمة المعيشية، إذ باتوا يفتقرون إلى المياه والغذاء والدواء والأمان، وهي متطلبات أساسية، ويتزامن ذلك مع واقع اقتصادي صعب للغاية، وغلاء جنوني في أسعار مختلف البضائع والمستلزمات".
نزح الفلسطيني سالم إعلاو من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وهو يعيش حالياً في خيمة بلاستيكية على شاطئ بحر مدينة دير البلح، ويضطر إلى تعبئة مياه الاستخدام اليومي من البحر رغم ملوحتها الشديدة، وعدم صلاحيتها لبعض المهام، كالغسيل والجلي، ما يدفعه إلى معاودة غسل الأواني والملابس بمياه الشرب. يوضح إعلاو لـ "العربي الجديد"، أن "إشكالية أخرى تزيد من عمق أزمة المياه، وهي انخفاض الخيمة القريبة من شاطئ البحر عن مستوى الشارع، وبالتالي صعوبة نقل المياه إليها يومياً في ظل وعورة الطريق، وقسوة الظروف المناخية. بات توفير المياه هاجساً يومياً تبدأ فصوله في ساعات الصباح الباكر، وتستمر حتى منتصف اليوم، والشح الكبير في المياه يزيد من حجم الصعوبات التي تواجه النازحين، خاصة في ظل الحاجة الماسة إلى التنظيف المتواصل بسبب انتشار الفيروسات والجراثيم بفعل طفح المياه العادمة في الشوارع، وفي طرقات مراكز النزوح وبين الخيام، ليضاعف شح المياه المخاطر الصحية، وانتشار الأمراض بين النازحين".
بدوره، يقول النازح الفلسطيني نائل أبو ريالة، لـ"العربي الجديد"، إنه يقطع مسافة طويلة يومياً للوصول إلى محطة التحلية الوحيدة في مدينة دير البلح، وبعد انتظار طويل يمكنه الحصول على كمية من المياه، ثم يجر العربة اليدوية باتجاه خيمته، في عملية تستغرق قرابة ثلاث ساعات يومياً، وذلك لعدم قدرته على معاودة تكرار العملية في اليوم ذاته نظراً إلى محدودية الوقت الذي تتوفر فيه المياه. ويوضح أبو ريالة لـ "العربي الجديد"، أنه يضطر إلى توفير المياه من المحطة لعدم قدرته على شراء المياه يومياً، إذ يتطلب ذلك كلفة مالية كبيرة، لكن الوقت الطويل الذي يستغرقه لتوفير المياه يومياً يزيد من تعقيد واقع النزوح الذي يعيشه رفقة أسرته، ويؤثر سلباً على الإيفاء ببقية المتطلبات الأساسية، إذ لا يوجد من يساعده باستثناء أطفاله، لكنهم صغار لا يتمكنون من حمل الأشياء الثقيلة. وتشهد محطات تحلية المياه إلى الغرب من مدينتي خانيونس ودير البلح تزاحماً من قبل النازحين المحتاجين إلى تعبئة الأواني والغالونات البلاستيكية الصغيرة أو البراميل المتوسطة والكبيرة بالماء اللازم للاستخدام اليومي، أو نقلها من خلال العربات التي تجرها الدواب لبيعها بين خيام النزوح، وهي تعتبر المصدر الأساسي للماء في ظل انعدام مصادر أخرى.