يتزامن اليوم العالمي للمرأة مع أزمات إنسانيّة وكوارث طبيعيّة، إذ يحلّ بعد شهرٍ على زلزال مدمّر في تركيا وسورية، وعلى وقع ما تشهده دول عربية عدة من صراعات وتهجير وأزمات معيشيّة.
كان محظوراً الاحتفاء بيوم المرأة في بعض الدول العربية، إلى أن تبنّته جامعة الدول العربية في عام 1970، لكن لا تزال نساء المنطقة الفئة الأكثر عرضةً للتهميش والإقصاء، فضلاً عن تعرضهن لانتهاكات جسيمة خلال الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلّحة، رغم بعض المبادرات الاستثنائيّة، ورغم وجود بعض النسوة في الصفوف الأمامية.
توضح منسّقة المنطقة العربية في "الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي"، عايدة نصر الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ "تهميش المرأة في الأزمات والنزاعات المسلّحة والكوارث الطبيعيّة يعود إلى تاريخ من إقصائها، وعدم الاعتراف بوجودها خارج إطار المنزل. حتى اليوم، لا تمتلك غالبيّة الشعوب العربية قناعة تامّة بالدور الأساسي للمرأة، فحتّى لو برزت في مجالٍ ما، يعتبر ذلك استثناء. إذ ما زالت الثقافة الذكورية سائدة، إلى جانب العنف والقهر والاستغلال، في حين أنّ ثقافة الحقوق غائبة".
وتكشف نصر الله، التي تتولّى رئاسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، عن السعي المتواصل لـ"تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1325، والذي ينصّ على حماية المرأة وصون كرامتها خلال الحروب والنزاعات المسلّحة، ويتحدّث عن دور للمرأة كشريك في حلّ النزاعات، لكن للأسف ما من أحدٍ يأتي على ذكره، بل نجد المرأة عرضة للانتهاكات، فالنساء في السودان يتعرّضن خلال التظاهرات للاغتصاب في الشارع من قبل عسكريّين وتابعين للنظام، رغم أنّ بينهنّ قياديّات بارزات ومؤثرات في السياسة الوطنية، يحملن الفكر التقدمي الإنساني الطامح نحو العدالة والتغيير وإرساء نظام علماني ديمقراطي ودولة مدنية، وفي اليمن، نجد المرأة منسيّة، حيث تعتبر مسؤولة عن تغذية المقاتلين، والواقع ليس أفضل في ليبيا، كما أنّ المرأة لم يتمّ ذكرها خلال الزلزال المدمّر في سوريّة. وفي العراق، عندما كانت بعض المناطق تحت سيطرة تنظيم داعش، تعرّضت مئات النساء للخطف والاغتصاب، ما خلّف أزمة كبيرة".
تختلف ظروف النساء وفق قدرة الشعب على منحهن قيمة إنسانية
تتابع: "في لبنان، وعلى الرغم من أنّ الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها على المجتمع ككلّ، لكنّ العبء الأكبر يقع على عاتق النساء، لا سيّما غير العاملات اللاتي يعتمدن على راتب الزوج، وظروف النساء في المغرب العربي مشابهة مع فروقات بسيطة، إذ تختلف وفق ثقافة الشعب وإمكاناته وقدرته على إعطاء المرأة قيمة وطنية وإنسانية. المعركة ليست ضدّ الرجل، وإنّما ضدّ ذهنيّة قديمة تكرّسه أساساً تدور النساء في فلكه، كما أنّ المشكلة تكمن في السياسة، وتعاطي الدولة مع حقوق الإنسان، لا سيّما في الدول ذات البنية الهشّة القائمة على نفوذ الأشخاص، أو الطائفيّة والمذهبيّة، والنتائج في المنطقة العربية لا توازي الجهود المبذولة، غير أنّنا نؤمن بتراكم الجهود التي من شأنها أن تغيّر واقع المرأة، فتصبح شريكة في المجتمع".
بدورها، تقول مديرة "منظمة المرأة العربية"، فاديا كيوان، لـ"العربي الجديد": "ليست المرأة مهمّشة في الكوارث والأزمات، بل تواجهها كما الرجال، وقد تقع أعباء ومسؤوليّات أكبر على النساء والفتيات، فالنزوح من جراء الحروب والنزاعات يصيب النساء والفتيات أكثر من الذكور، وفي الحروب، تقع الأعباء الأسرية على المرأة بحكم أنّ الرجال على الجبهات، وفي السنوات الأخيرة، ومع انتشار جائحة كوفيد- 19، لاحظنا زيادة الأعباء على النساء نتيجة بقاء أفراد الأسرة في المنزل، واضطرار المرأة للقيام بأدوارٍ متعدّدة للحفاظ على الأمان الاجتماعي والنفسي، بالإضافة إلى واجباتها الأخرى".
وترى كيوان أنّ "المشهد بدأ يتغيّر، ولا يجوز أن نستمر في لوم الآخرين، فهناك مسؤوليّة تقع على النساء للتحوّل من السكون إلى النشاط، وأن ينخرطن في كلّ مجالات العمل، إذ ما زال حضور النساء العربيات ضعيفاً، ولا يتجاوز معدّله 20 في المائة من سوق العمل، وهو المعدّل الأدنى في العالم، علماً أن العقود الأخيرة شهدت جهوداً حكوميّة في كلّ الدول العربيّة لزيادة الالتحاق المدرسي للفتيات. كما أنّ للمرأة دوراً أساسياً في مواجهة الكوارث الطبيعيّة، كونها تهتم ببقية أفراد الأسرة، أكانوا أطفالاً أم كبار سنّ أو ذوي احتياجات خاصّة. كلّ الفئات تعوّل على المرأة لتهتمّ بها في الأزمات".
وتضيف: "نركّز في برامجنا على توعية النساء وتثقيفهنّ ليكنّ قادرات على القيام بالمهام الضروريّة العاجلة التي تفرضها الكوارث، والمرحلة المقبلة تفرض علينا أن نكثف جهودنا من أجل تمكينهن ليكنّ إلى جانب الرجال في مواجهة التحديات التي يفرضها التغيّر المناخي، والذي يبدو أنّه متسارع، وستكون انعكاساته وعواقبه وخيمة. المرأة كانت مهمّشة في الماضي، لكنّها مدعوّة حالياً لإثبات حضورها، وأن تكون فاعلة ومنتجة وناشطة، ولن يكون هناك تمييز في حال انخرطت النساء بنشاط في مواجهة الأزمات. في الماضي، لم يكن يُذكر عدد النساء ضمن الضحايا، ولا يقع الاهتمام بهنّ في التعويضات، ونلحظ اليوم وعياً أكبر بهذا الموضوع، وتوجه نحو إلغاء أشكال التمييز في السلوكيّات الاجتماعيّة".
تصبح النساء أكثر عرضة للانتهاكات مع ثقافة الإفلات من العقاب
ترى مديرة "المعهد العربي للمرأة" في الجامعة اللبنانية الأميركية، ميريام صفير، أنّ "نساء العالم العربي قاومن تهميش دورهنّ في أوقات الكوارث والنزاعات والأزمات، وفرضن أنفسهنّ، وقمن بمبادرات عديدة لحلّ المشاكل، وأثبتن وجودهنّ رغم القيود الكثيرة. لكن النساء لسن في مواقع صنع القرار، ولا يتّخذن قرار بدء الحرب أو إيقافها، ولا حتّى قرارات ما بعد الأزمة، بل يتعرّضن للتهميش، كما لا يؤخذ برأيهن عند وضع الدستور أو بناء الدولة، وإنْ وُجدن فتكون أعدادهنّ محدودة".
وتوضح صفير، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضايا التي تعيق تقدّم النساء متشابهة في كثير من البلدان مع بعض التفاوت بحسب القوانين والاتفاقيات التي وقّع عليها كلّ بلد. تصبح النساء أكثر عرضة للانتهاكات التي تترافق مع ثقافة الإفلات من العقاب وطمس الجرائم، كما تدفع المرأة ثمن الفساد، كما حصل مؤخراً في زلزال تركيا وسورية، فممارسات ما بعد الزلزال كشفت انعكاس الضرر الأكبر على النساء، سواء لناحية توفير الأمن الغذائي والمأوى وسبل العيش المستدام، أو ضمان الحصول على الرعاية الصحية والإنجابية، أو حمايتهنّ من التعرّض للاغتصاب والتحرّش والمضايقات، بالإضافة إلى إمكانيّة وصولهن إلى لوازم النظافة الشخصيّة".
وتلفت الأكاديمية والناشطة النسوية إلى أنّ "الانتهاكات بحقّ النساء تتزايد في أوقات الأزمات والكوارث، إلى جانب الموروثات والعادات والتقاليد التي دفعت بشابّة تحت الأنقاض إلى التفكير بشرعيّة خروجها من دون حجاب. لا يمكننا أيضا تجاهل نضال العديد من النساء العربيّات، سواء خلال الحروب، أو مقاومة الاحتلال، أو في التظاهرات. في لبنان كمثال، وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، لم تلحظ المساعدات بداية المنظور الجندري، ولم يتمّ إحصاء العدد الدقيق للنساء المتضرّرات، أو حاجاتهنّ الملحّة، كما أنّ أغلب النساء خسرن أعمالهنّ من جراء الأزمة الاقتصادية، وبتن يقبلن بأيّ عمل لتوفير الطعام لعائلاتهنّ، فباتت كثيرات يعملن من دون عقود عمل، أو بلا حقوق تُذكر، ويتعرّضن في بعض الأحيان للتحرّش الجنسي، ورغم كل ذلك، يسكتن ويرضخن".
وتتابع صفير: "حتّى عندما دعمت الدولة اللبنانية بعض المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، لم تغفل شفرة الحلاقة للرجال، لكنّها لم تفكر إطلاقاً بدعم الفوط الصحية، كون النساء لسن أولوية عند وضع الخطط أو اتّخاذ القرارات، وهذا يعود إلى غياب العنصر النسائي عن طاولة القرارات، علماً أنّ المرأة كانت أكثر المكافحات خلال جائحة كوفيد- 19، إذ كانت تنشط في تدريس أولادها، وإنجاز الأعمال المنزلية، وإعداد الطعام، وتوفير الرعاية الصحية للمرضى من أفراد العائلة، فضلاً عن مواصلة مهامها الوظيفيّة عن بُعد من دون أن تتمتّع بأيّ مساحة خاصّة بها".
وتختم بالدعوة إلى "تعديل القوانين المجحفة، وكسر الصورة النمطية، وتحقيق استقلاليّة ماديّة أكبر، إلى جانب تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وضمان تمثيل النساء في المواقع القياديّة، والمشاركة في السلطة. طاولة أي حوار يجب ألا تقوم من دون إشراك النساء".