يقف الطاقم الطبي والتمريضي في لبنان، منذ تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا بتاريخ 21 فبراير/شباط 2020، في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء الذي يجتاح العالم منذ أكثر من سنة، وخوض المعركة الصحية بأدنى الإمكانات المادية، في ظلّ شحّ الموارد البشرية، وفي أسوأ الظروف الاقتصادية والمعيشية، متسلّحين بالإرادة، والشجاعة، والمسؤولية، والخبرة، والضمير المهني، لمساعدة المرضى على تجاوز المحنة قدر المُستطاع والنجاة، معرّضين أنفسهم للخطر خلال فترات المعالجة الطويلة، إلى أن خرقت الجائحة صفوفهم، ونقلت العدوى إليهم، وخطفت أول طبيب في 20 يوليو/تموز 2020.
وأعلن نقيب الأطباء شرف أبو شرف، لـ"العربي الجديد"، أنّ 3 وفيات طاولت الطاقم الطبي في لبنان، في ظلّ وجود 17 إصابة في العناية المشدّدة، وحوالي 200 حالة تلتزم الحجر سواء في المستشفيات أو المنازل. لافتاً إلى أنّ 3 أضعاف الأرقام المشارة إليه يمكن ربطه بالطاقم التمريضي، أي لناحية إصابات الممرضين والممرضات التي تخطّت ألف إصابة.
وأشار النقيب إلى أن الأطباء جنّدوا أنفسهم منذ اليوم الأول لمواجهة الوباء، وخصوصاً المختصين في الطوارئ والرئة والطب الداخلي، وهم اليوم يواجهون خطر الاستمرار في ظل ارتفاع معدل الإصابات وانتقال العدوى بشكل سريع في صفوفهم، من هنا تأتي دعوة القطاع الطبي والتمريضي كما الاستشفائي إلى إقفال عام للبلاد لإراحة الجسم الطبي بأكمله، الذي عليه أن يواكب المرضى، والحالات الموجودة في أقسام العناية الفائقة، والإصرار في المقابل على ضرورة التنسيق بين كلّ الجهات المعنية والوزارات المختصّة في سبيل الخطوات التي ستتخذ في المرحلة الراهنة الدقيقة جداً، في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، لا سيما أن لبنان مقبل أيضاً على موسم سياحي، وهناك مياومون وعمّال لا يمكنهم الصمود أيضاً من دون عمل.
ولفت النقيب إلى أنّ الوقاية ضرورية جداً، بشكل حازم وصارم، على المستوى الفردي والمجتمعي، كما أن العلاج لا يمكن أن يحصل في ظلّ إمكانات ضعيفة، من هنا أهمية تجهيز كل المستشفيات، وتأمين الحدّ الأدنى لها للقيام بمهامها، فالمخاطر للأسف تكبر، والمرض لا يستثني أحدا من كل الفئات العمرية، صغاراً وكباراً، بمن فيهم أشخاص لا أمراض مزمنة يعانون منها، وبالتالي، على اللبنانيين جميعاً أن يلتزموا بالإجراءات والتدابير الوقائية، وعلى الدولة أن تقوم بواجباتها، والاستهتار على المستويات كافة يدفع بنا إلى الهاوية.
من جهته، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، خلال مؤتمر صحافي اليوم الاثنين، أن الوزارة تواصلت مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل تحويل أموال إلى المستشفيات الخاصة بهدف استحداث أقسام لفيروس كورونا، كما دخل دفع المستحقّات للمستشفيات حيز التنفيذ عن الأشهر الستة الأولى من عام 2020، مؤكداً، أنّه على المستشفيات ملاقاتنا في منتصف الطريق، ورفع الجهوزية التي تأخّرت كثيراً.
ولفت حسن إلى أنّ قرار الإقفال الجزئي لم يعطِ نتيجة، والأرقام تثبت ذلك، حيث إنّ عدد الإصابات الذي سجّل في البلدات، قبل عزلها، وصل إلى 1500 إصابة، بينما تخطّى أربعة آلاف في فترة الإقفال، وبناءً على هذه المعطيات يجب اتخاذ إجراءات وخطوات مهمة بهدف إنجاح الإقفال العام قيد الدرس.
ويترقّب اللبنانيون المقرّرات التي ستصدر صباح يوم غد الثلاثاء عن المجلس الأعلى للدفاع، بعد الاجتماع الاستثنائي الذي يعقده برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا للبحث بالوضع الصحي، في ضوء تطوّرات انتشار فيروس كورونا والإجراءات الواجب اتخاذها للحدّ من سرعة عدّاد الإصابات، التي تجاوزت للمرة الأولى عتبة ألفي إصابة خلال أربع وعشرين ساعة فقط، وحالات الوفاة التي تسجّل أرقاماً مرتفعة يومياً، مقابل تحذيرات من انهيار القطاعَيْن الطبي والاستشفائي اللذين رفعا الصرخة عالياً بضرورة إقفال البلاد بشكلٍ كاملٍ.
في هذا السياق، أكدت مصادر معنيّة بالملف، لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار الإقفال العام لم يتخذ بعد، وكل ما يثار في الإعلام يبقى في إطار التكهّنات والاحتمالات الواردة والتي سيُبحَث بها غداً، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، مشيرة إلى أنّ الخلاف القائم الذي يحول منذ أكثر من أسبوعين دون حسم مسألة الإقفال، مرتبطٌ بوجود وجهات نظر عديدة، من قبل الجهات المختصة، لم تصل إلى اتفاق مشترك بعد، ولا سيما لناحية الإصرار على ربط موضوع الإقفال بخطة شاملة اقتصادية وصحية واستشفائية، إذ لا يمكن إغفال خطورة الوضع المعيشي والاجتماعي الذي سيتفاقم عند إغلاق البلاد مرّة جديدة.
ولفتت المصادر إلى أنّ لبنان مرّ بحالات إقفال كثيرة خلال فترة كورونا، ولا يمكن إعادة التجربة من دون خطة واضحة المعالم، ولا سيما على صعيد المستشفيات التي يجب تجهيزها بالكامل، عامة وخاصة، وإلا يكون قرار الإقفال من دون جدوى وتصبح أضراره أكثر بكثير من نتائجه، مشيرةً إلى أنّه من نقاط الخلاف الموجودة أيضاً، الأيام التي سيقفل فيها البلد إذا اتخذ القرار بهذا الاتجاه، حيث إن هناك من يرى ضرورة أن تكون المدة بين 3 إلى 4 أسابيع، لأن مهلة الأسبوعين لا تكفي لترجمة نتائج الإقفال، فيما تتمسك جهات معنية وخصوصاً اقتصادية بقرار الإقفال لأسبوعين فقط، لا سيما أنّ القطاع السياحي ينتظر فصل الشتاء وفترة الأعياد ليستعيد جزءاً بسيطاً من خسائره الهائلة.
وتعقد اللجنة الوزارية لمتابعة شؤون مكافحة فيروس كورونا، اليوم الاثنين، اجتماعاً في السراي الحكومي برئاسة الرئيس حسان دياب، بحيث يتم رفع التوصيات المناسبة لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وهناك مقترحات كثيرة يبحث فيها في الاجتماع، لناحية القطاعات التي سيشملها الإقفال، والمؤسسات المستثناة والتي من المتوقع أن تكون قليلة جداً، ومحدودة، كما أن هناك درسا جدّيا لإقفال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وهناك دراسات تجرى لنتائج هذا القرار، سلبياته وحسناته، والأمر نفسه بالنسبة إلى كل القرارات والتوصيات التي سترفع.