هذا العام، وقع الاختيار على مدينة برشلونة للحديث عن أزمة المياه والتنمية المستدامة في حوض البحر المتوسّط. هذه المدينة التي تخطو خطوات إيجابية وبناءة في ما يتعلق بالاستفادة من الموارد الطبيعية، استضافت خبراء في مجال المياه وآخرين من هذه المنطقة، من خلال منتدى المياه والصحافة والتنمية المستدامة "أمواج".
في هذه المدينة، أتى الخبراء ليتحدثوا عن أزمة وندرة المياه في منطقة حوض البحر المتوسط، وعن واقع الدول والمشاكل والحلول، والمبادرات المجتمعية والفردية ودور الحكومات. الحديث عن المياه كان كثيراً. واللبنانيون المشاركون في المؤتمر، كمتحدثين أو صحافيين، كانوا قد تركوا خلفهم أصحاب الصهاريج يملؤون خزانات المياه في ظل شحّ المياه الذي يعاني منه البلد على مدى السنوات الماضية، خصوصاً في فصل الصيف. ومع أصحاب الصهاريج، تذكروا مقولة رافقتهم منذ الطفولة، وهي أن لبنان بلد المياه.
وللحديث تتمّة. قبل ذلك، عرضٌ لواقع الحال. تملك منطقة حوض البحر المتوسّط ما مجموعه 3 في المائة فقط من موارد المياه العالمية، لكنّها أيضاً موطن لأكثر من 50 في المائة من سكان العالم الفقراء، أي ما يقارب 180 مليون نسمة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشكّل الأمن المائي تهديداً أكبر من عدم الاستقرار السياسي، حيث يعيش 60 في المائة من السكان في مناطق مرتفعة أو شديدة الإجهاد المائي، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 35 في المائة. وتتفاقم الندرة الطبيعية للمياه في منطقة البحر المتوسط بسبب التهديدات الجديدة للنمو السكاني، وازدياد الطلب على الغذاء والطاقة، والتلوث والمنافسة عابرة الحدود والظواهر الجوية.
من هنا، يجب العمل على إدارة المياه على نحو أفضل وبطريقة متكاملة إذا ما أردنا الحد من الفقر والهجرة وإمكانية نشوب الصراعات وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ويشار إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط تستثمر 430 مليون يورو في مشاريع المياه والبيئة لتحسين فرص الوصول للمياه، والمساهمة في إزالة تلوث البحر مع منع التلوث الجديد وتعزيز قدرات المجتمع المدني.
اقــرأ أيضاً
وتتمتّع منطقة الشرق الأوسط بأحد أفضل السجلات في تحسين قدرة الوصول إلى مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي منذ عام 1990، ولكن هذا لم يتحقق بالتساوي. كما أدى الصراع والهجرة إلى عكس مسار التقدّم في بعض البلدان.
ميغيل غارسيا هيريز، نائب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط لشؤون المياه والبيئة، تحدّث عن دعم الحكومات في مشاريع تتعلق بالمياه. وهُنا كان نقاش عن مدى تحقّق النتائج المرجوة، خصوصاً في ظل فساد بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. بالتالي، فإن الاتحاد وآخرين يقدمون مبالغ كبيرة لحكومات من دون أن يرى المواطنون أية نتائج. إلا أن مقاربة هيريز أو الاتحاد مختلفة. فمن جهة، لا يمكن التوقف عن دعم الحكومات، ومن جهة أخرى فإن الوضع ليس كارثياً، بمعنى أن بعض الدول العربية تنفذ مشاريع رائدة. هل من أية رقابة لتحقق المشاريع من قبل الاتحاد؟ يقول إن الاتحاد يتابع المشاريع، لكن حتى إذا "فشلت" الحكومات، فإن الدعم يستمر أملاً في أن تنجح في مشاريع جديدة. وكان لبنان مثالاً مرة أخرى. فأين هي نتائج المشاريع التي دعمها الاتحاد أو غيره؟ حتى في برشلونة، كان هناك حديث عن وضع لبنان المعقّد واللاجئين السوريين.
المؤتمر الذي استمرّ على مدى يومين (29 و30 أكتوبر/ تشرين الأول)، وشارك فيه نحو 60 خبيراً ناقشوا المبادرات المحلية والإقليمية لتحفيز المجتمع والأوساط الأكاديمية والبحثية والجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفاعلة، من أجل خلق وعي حقيقي حول أهمية المياه، وتشجيع التعاون بين الإدارات ووسائل الإعلام لتوعية المواطنين. وتطرّق الخبراء إلى مبادرات كثيرة، سواء حكومية أو فردية، تتعلق بالمياه. وبدا أن برشلونة سبّاقة في هذا الإطار.
الشاب اللبناني مارك عون، من "كومبوست بلدي"، كان أحد المتحدثين. مشروعه، كما يقول لـ "العربي الجديد"، هو "إيجاد حلول لامركزية لإدارة مشاكل الصرف الصحي في لبنان، تسمح للمواطن بتوفير كلفة المياه والوقود والسماد، من خلال محطات لامركزية لمعالجة النفايات في المنازل الريفية. بدلاً من شراء المياه للري، يمكن استخدام مياه معالجة. بذلك، يساهم المشروع في الحد من استهلاك المياه بنسبة 50 في المائة، وينتج غازاً كافياً لساعة طهي يومياً. حتّى اليوم، تمكن من إنشاء محطتين للاجئين السوريين، آملاً الوصول إلى كل المناطق الريفية". يضيف: "نسعى إلى إيجاد حلول اقتصادية حيث لا تقوم الدولة بواجبها لناحية إدارة الصرف الصحي".
اقــرأ أيضاً
وتقول المنسّقة الإعلامية باتريسيا كاربونيل لـ "العربي الجديد" إن أمواج، التي انطلقت في عمان في عام 2016، هدفت إلى جمع العلماء والصحافيين لبحث القضايا المتعلقة بالمياه والطاقة في منطقة حوض البحر المتوسط. والقضية هنا لا تنحصر في فهم التحديات المتعلقة بالمياه، بل نقلها إلى المجتمع بهدف العمل على إيجاد الحلول لها. تضيف أنه يمكننا الاتكال على الحكومات ورجال الأعمال، لكننا في حاجة إلى خلق مجتمع يتحدث إلى بعضه بعضاً، وتحسين الإنتاج الصحافي العلمي، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأكبر.
أمواج مستمرّة في مدينة أخرى العام المقبل، حفاظاً على مواردنا الطبيعية، وسعياً إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأن المياه حق والواقع ينذر بأخطار كبيرة.
في هذه المدينة، أتى الخبراء ليتحدثوا عن أزمة وندرة المياه في منطقة حوض البحر المتوسط، وعن واقع الدول والمشاكل والحلول، والمبادرات المجتمعية والفردية ودور الحكومات. الحديث عن المياه كان كثيراً. واللبنانيون المشاركون في المؤتمر، كمتحدثين أو صحافيين، كانوا قد تركوا خلفهم أصحاب الصهاريج يملؤون خزانات المياه في ظل شحّ المياه الذي يعاني منه البلد على مدى السنوات الماضية، خصوصاً في فصل الصيف. ومع أصحاب الصهاريج، تذكروا مقولة رافقتهم منذ الطفولة، وهي أن لبنان بلد المياه.
وللحديث تتمّة. قبل ذلك، عرضٌ لواقع الحال. تملك منطقة حوض البحر المتوسّط ما مجموعه 3 في المائة فقط من موارد المياه العالمية، لكنّها أيضاً موطن لأكثر من 50 في المائة من سكان العالم الفقراء، أي ما يقارب 180 مليون نسمة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشكّل الأمن المائي تهديداً أكبر من عدم الاستقرار السياسي، حيث يعيش 60 في المائة من السكان في مناطق مرتفعة أو شديدة الإجهاد المائي، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 35 في المائة. وتتفاقم الندرة الطبيعية للمياه في منطقة البحر المتوسط بسبب التهديدات الجديدة للنمو السكاني، وازدياد الطلب على الغذاء والطاقة، والتلوث والمنافسة عابرة الحدود والظواهر الجوية.
من هنا، يجب العمل على إدارة المياه على نحو أفضل وبطريقة متكاملة إذا ما أردنا الحد من الفقر والهجرة وإمكانية نشوب الصراعات وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ويشار إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط تستثمر 430 مليون يورو في مشاريع المياه والبيئة لتحسين فرص الوصول للمياه، والمساهمة في إزالة تلوث البحر مع منع التلوث الجديد وتعزيز قدرات المجتمع المدني.
وتتمتّع منطقة الشرق الأوسط بأحد أفضل السجلات في تحسين قدرة الوصول إلى مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي منذ عام 1990، ولكن هذا لم يتحقق بالتساوي. كما أدى الصراع والهجرة إلى عكس مسار التقدّم في بعض البلدان.
ميغيل غارسيا هيريز، نائب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط لشؤون المياه والبيئة، تحدّث عن دعم الحكومات في مشاريع تتعلق بالمياه. وهُنا كان نقاش عن مدى تحقّق النتائج المرجوة، خصوصاً في ظل فساد بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. بالتالي، فإن الاتحاد وآخرين يقدمون مبالغ كبيرة لحكومات من دون أن يرى المواطنون أية نتائج. إلا أن مقاربة هيريز أو الاتحاد مختلفة. فمن جهة، لا يمكن التوقف عن دعم الحكومات، ومن جهة أخرى فإن الوضع ليس كارثياً، بمعنى أن بعض الدول العربية تنفذ مشاريع رائدة. هل من أية رقابة لتحقق المشاريع من قبل الاتحاد؟ يقول إن الاتحاد يتابع المشاريع، لكن حتى إذا "فشلت" الحكومات، فإن الدعم يستمر أملاً في أن تنجح في مشاريع جديدة. وكان لبنان مثالاً مرة أخرى. فأين هي نتائج المشاريع التي دعمها الاتحاد أو غيره؟ حتى في برشلونة، كان هناك حديث عن وضع لبنان المعقّد واللاجئين السوريين.
المؤتمر الذي استمرّ على مدى يومين (29 و30 أكتوبر/ تشرين الأول)، وشارك فيه نحو 60 خبيراً ناقشوا المبادرات المحلية والإقليمية لتحفيز المجتمع والأوساط الأكاديمية والبحثية والجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفاعلة، من أجل خلق وعي حقيقي حول أهمية المياه، وتشجيع التعاون بين الإدارات ووسائل الإعلام لتوعية المواطنين. وتطرّق الخبراء إلى مبادرات كثيرة، سواء حكومية أو فردية، تتعلق بالمياه. وبدا أن برشلونة سبّاقة في هذا الإطار.
الشاب اللبناني مارك عون، من "كومبوست بلدي"، كان أحد المتحدثين. مشروعه، كما يقول لـ "العربي الجديد"، هو "إيجاد حلول لامركزية لإدارة مشاكل الصرف الصحي في لبنان، تسمح للمواطن بتوفير كلفة المياه والوقود والسماد، من خلال محطات لامركزية لمعالجة النفايات في المنازل الريفية. بدلاً من شراء المياه للري، يمكن استخدام مياه معالجة. بذلك، يساهم المشروع في الحد من استهلاك المياه بنسبة 50 في المائة، وينتج غازاً كافياً لساعة طهي يومياً. حتّى اليوم، تمكن من إنشاء محطتين للاجئين السوريين، آملاً الوصول إلى كل المناطق الريفية". يضيف: "نسعى إلى إيجاد حلول اقتصادية حيث لا تقوم الدولة بواجبها لناحية إدارة الصرف الصحي".
وتقول المنسّقة الإعلامية باتريسيا كاربونيل لـ "العربي الجديد" إن أمواج، التي انطلقت في عمان في عام 2016، هدفت إلى جمع العلماء والصحافيين لبحث القضايا المتعلقة بالمياه والطاقة في منطقة حوض البحر المتوسط. والقضية هنا لا تنحصر في فهم التحديات المتعلقة بالمياه، بل نقلها إلى المجتمع بهدف العمل على إيجاد الحلول لها. تضيف أنه يمكننا الاتكال على الحكومات ورجال الأعمال، لكننا في حاجة إلى خلق مجتمع يتحدث إلى بعضه بعضاً، وتحسين الإنتاج الصحافي العلمي، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأكبر.
أمواج مستمرّة في مدينة أخرى العام المقبل، حفاظاً على مواردنا الطبيعية، وسعياً إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأن المياه حق والواقع ينذر بأخطار كبيرة.