جعفر نميري

يعكس طلب الولايات المتحدة من إسرائيل التدخّل لدى طرفي الأزمة في السودان لوقف القتال مفارقة معيبة، ومدى غياب العرب دولا ومؤسسات عن بلد عضو في جامعة الدول العربية. وهذا ليس جديدا، حيث اقتصرت التدخّلات العربية على دعم العسكر في إطار الثورة المضادة.

المساحة الزمنية بين الفريق أول حميدتي في السودان والمقدّم المغرب أمحمد أعبابو هي مساحة بين نمط من العساكر الانقلابيين العرب الطموحين، بين من كانوا من أبناء جيوشهم وعلى أهلية عسكرية احترافية، ومن ينمذجهم تاجر الإبل والماشية السابق، أمير الحرب، حميدتي.

في الستين عاماً وأكثر، التي انطوت منذ استقلال السودان عام 1956، تقلبتْ البلاد بين نظمٍ ديمقراطية في سنوات قليلة، ثم أخرى عسكرية سنوات أطول. دارت تلك الدائرة الشريرة دوراتها أكثر من ثلاث مرّات خلال ستين عاماً أو يزيد. كانت تلك دائرة شرّيرة بلا مراء.

يسعى رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، للحصول على تفويض من الشعب السوداني بأمل تنصيبه رئيساً للبلاد، ساعيا للعب آخر أوراقه في جدل العسكر والمدنية، وهي ورقة خطرة، ليس فقط على الأطراف السياسية وحدها، وإنما على السودان وأمنه بكامله.

لن تنجح تجربة الحكم الإقليمي في السودان لمجرّد اعتماد "شكل" الحكم الذي يحمل نظريا مزايا عديدة، إذ لا بد من أن يبرهن الحاكمون على قربهم من نبض الشارع، وإزالة المخاوف التي يبديها بعضهم من احتمالات تفكّك الوطن أو تقسيمه.

انشغال السودانيين بالخلافات والتصارع المجاني سيتركهم عرضةً لاستضعافٍ سيتواصل. إن طمعتْ إسرائيل من قبل في منتجع أنشأته في سواحل السودان على البحر الأحمر، بغرض ترحيل يهود الفلاشا، فإنّ أحلامها القديمة لن تبقى خيالات، بل ستكون أطماعاً أقرب إلى الإنجاز.

لافت ما قد يفسّر كشيءٍ من الاستخفاف المراسمي بقيادات السودان في هذه الفترة الانتقالية، في زياراتهم دولا عربية، فلا يتفضّل لاستقبال قيادات السودان الأولى الرصيفُ المناسب بروتوكوليا، بل يبعث بعضهم أخفّ الوزراء مسؤولية ليستقبل رئيسا سودانيا زائرا.