يواجه جيلا الثورة المصرية اليوم تحديات مشتركة في استعادة الفعل السياسي، منها تذليل الاستقطاب المترسب بين القوى السياسية، والذي جرى، في أحيان كثيرة، على أساس هوياتي أيديولوجي، وليس على أساس الموقف من قضايا الديمقراطية ومبادئها.
أوجدت السجون في مصر ظاهرة مكتملة من التفاعلات بين أطرافٍ، ليست جديدة على البيئة السجنية المصرية، في حيّز مكاني هو السجون المصرية، وفي فترة زمنية محددة بما بعد 3 يوليو/ تموز 2013، نُطلق عليها "حوارات المعتقلين السياسيين في مصر".
أحدثت قرارات أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين، أخيرا جدلا، إلا أنها تبقى في حدود المعارك الدائرة بين شيوخ الجماعة وكبار السن فيها، غاب عنها حضور عنصر شبابي واحد يولّى الأمر، لا يُوظّف ضمن جهود منظمة مهامها تنفيذ القرارات والإذعان لوصايا الطاعة!
الحل في أن يجلس هؤلاء المهزومون في بيوتهم، أن يعتزلوا السياسة، يعترفوا أنهم كانوا على خطأ، يتركوا لنا فرصةً واحدةً لنقول كلمة الشباب ونفعلها، لا أن يتغنوا هُم ببطولاتنا وصمودنا في المعتقلات والمحاكمات ووجوهنا المبتسمة بعد الشهادة
وثقت منظمة "كوميتي فور جستس" في جنيف بين 30 يونيو 2013 و30 نوفمبر 2019، أكثر من 958 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز في مصر، بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي، لم يضم إليهم الصحافي محمد منير أو الـ14 معتقلاً الآخرين الذين قضوا بكورونا في العام 2020؟
مواقف النخب دلّت على ثقافة سياسية لا تعمل من أجل تحقيق مسار ديمقراطي، بل تحترف الاستقطاب السياسي والمجتمعي بين قطبين رئيسيين، إسلاميين وعلمانيين. ولم تملك هذه النخب رؤية وطنية، بقدر ماعانت من الارتباطات الإيديولوجية والتنظيمية التي أرهقت الساحة.
صحيح أن نظام عبد الفتاح السيسي في مصر لم ينجح سوى في القمع، وبسط سيطرته على مفاصل الدولة، وسجن من يعارضونه، والتنازل عن أراضيها، إلا أن إعلام المهجر/ المنفى ذهب بعيدًا حين تعمّد إظهار النظام مفككًا خائرًا ينتظر إعلان وفاته.
في زنزانةٍ عرضها ثمانين سنتيمترا، وطولها لا يتعدّى 2.5 متر، قضيت مع 19 من المعتقلين الشهر الأول من الاعتقال. العدد ينقص أحيانًا ويزيد أحيانًا، ووصلنا إلى 23 في زنزانة كهذه لا يدخلها الهواء إلا من نافذةٍ مُقفلة بشريط شائك.
كانت أزمات الثورات العربية كاشفة لحجم المأساة الفكرية التي تعيشها النخب السياسية والأكاديمية والنشطاء في كثير من دول الثورات، سيما الموجة الأولى التي استوى قطافها، وظهر سلوك نخبها، سواء بالتوافق مع مبادئ تلك الثورات أو باعتناق دين الاستبداد
مع مرور الوقت واستكانة موجات الغضب الشعبية ضد النظام المصري، يتبدد الأمل في المعارضة المصرية التي من الممكن أن تنتج خطاباً توحيدياً لصفوفها، على الأقل خارج الحدود المصرية..