أثارت شخصية المجند "الدرزي" في فيلم "دم النخيل"، والناطقة بلهجة أهل السويداء السورية المبالغ فيها، حفيظة المحافظة التي اعتبرت وجود هذه الشخصية بهذه الصورة انتقاما للنظام من السويداء، ومن "الدروز" تحديدا، لامتناع أبنائهم عن الالتحاق بجيش النظام ورفضهم المشاركة بجرائمه.
في عيد الموت سيكون السوريون جميعاً متنكرين في هياكل عظمية وجماجم، هائمين في المقابر والطرقات والحدائق وحطام الأبنية المهدمة والأراضي المفتوحة، بحثاً عن قبور موتاهم، علّهم يستطيعون الغناء لهم وإطلاق أرواحهم من سجونها.
في عيد ميلادها السابع، تمسكنا الثورة في سورية من أنفاسنا، وتشد شعر أحلامنا وتهزّنا بكل قوّتها لنُسقط عن ذاكرتنا الغبار، ونُعيد النظر مرات ومرات قبل أن يتجرأ أحدنا، ويعلّق على روحه، أو حتى على جداره الافتراضي، ورقة نعوتها.
هم بضعة ملايين فقط خارج حدود "الوطن"، ما عادوا يحلمون بشيء، وفقط بضع عشرات آلاف في المعتقلات، وبعض "المختلفين غير المتجانسين" في إدلب ودرعا وريف دمشق.. هؤلاء فقط هم العقبة الصغيرة الأخيرة التي تواجه "السلام" و"الحل السياسي" في سورية.
حجم القنابل الموقوتة، الاجتماعية والبشرية التي تُطمر اليوم تحت الأرض السورية، كفيل بتفجير المنطقة كلها مائة عام، إذا لم تتم إحاطتها والتعامل معها بجديّة مطلقة، لنتمكن من تفكيكها ونزع الفتيل.
وحدهم من سنعرف تواريخ اعتقالهم وموتهم وتهجيرهم هم المدنيون؛ الضحايا الحقيقيون لكل الحروب. وربما وكي لا ننسى، سنصنع، نحن السوريين الناجين، "أحجار عثرة" أو "مطبّات" كالتي يصنعها الفنان الألماني غونتر ديمينغ، بناءً على طلب أسر الضحايا.
اليوم، تُجبر مدينة الرّقة السورية على الدخول في مرحلةٍ جديدة، وربما سيكون مستقبلها القريب مرآة حقيقية لمستقبل سورية البعيد، مثلما كانت أحداثها الصارخة خلال سنوات عصيبة، الوجه الأكثر مرارةً ووضوحاً لأحداث الثورة السورية كاملة.
أيام ثقيلة على السوريين في كل مكان لما تحمله من تغيراتٍ سريعةٍ على الأرض بامتداد واسع من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها، وهي في معظمها مفاجئة ومخيفة أكثر مما تكون مطمئنة.
لم تلق استراتيجية نظام الأسد هذه ومخططاته المفضوحة منذ سنوات استنكارا أو تحرّكا فاعلا لوقفها، بل تمت وستتم تحت نظر العالم أجمع، ما يهدّد بكارثة حقيقية جديدة، ستطاول مدينة إدلب بكل من فيها، وقد تكون الأسوأ في تاريخ الثورة السورية.
مجرد مجزرة أخرى استدعت صفعة تأديبية خفيفة، لن توقف الموت المجاني المعلن للسوريين، ولن تغيّر من المعادلة شيئاَ سوى إعلان لاعبٍ آخر انضمامه الصريح لفريق اللاعبين على الأرض السورية، بعدما كان يدير الحلبة من بعيد.