وفتيحة هامار (37 سنة)، الأم لأربعة أطفال، تحكي قصة عائلتها لأول مرّة منذ دخول زوجها عميروش (42 سنة) إلى مركز الرعاية المركّزة في فرنسا، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. كان ذلك قبل أن تقدّم الصين حتى تقريراً لمنظمة الصحة العالمية حول الفيروس الجديد الذي ظهر لأول مرة في سوق للسمك فيها.
تقول فتيحة لـ"العربي الجديد": "ظنّ زوجي، في ذلك الوقت، أنّه يعاني من التهاب خطير في الرئة، لكن الأطباء أكّدوا لنا اليوم أنّه كان مصاباً بـ(كوفيد-19)". وتضيف هامار: "الفيروس، الذي اقتحم حياتنا، جعل عميروش مريضاً بشكل رهيب، حتى لو أننا لم نكن نعرف ماهيته بداية. لكننا نخاف الآن من أن تكون العائلة بأكملها مصابة بالفيروس، وأن نواجه المعاناة ذاتها التي واجهها عميروش".
وكانت فتيحة هامار تعمل في قسم السمك، القريب من كشك السوشي، في هايبرماركت "كارفور"، القريب من مطار "شارل ديغول" في باريس. لكنها اضُطرت إلى ترك عملها بعد أن بدأ وضعها الصحي بالتدهور. "كان يزورنا، في قسم السمك، عدد كبير من الصينيين، أغلبهم كانوا قادمين من المطار أو في طريقهم إليه".
"كنّا مشغولين وقتها بفترة عيد الميلاد وعيد رأس السنة، ولم نكن قد سمعنا إلاّ بشكل سريع بعد، عن فيروس غامض ينتشر في الصين. وكان الصينيون يأتون إلينا بأعداد كبيرة ليشتروا الأسماك. في ذلك الوقت لم يكن أحد قد سمع بعد بضرورة ارتداء الكمّامات أو تعقيم وغسل اليدين بشكل مستمر أو التباعد الجسدي".
السيدة هامار كانت أول فرد في العائلة يشعر بأعراض المرض. إذ هي شعرت بداية بتعب فظيع، وصارت تتعرّق كثيراً، وأصابتها نوبات من السعال، لكنّها ظنّت أنّها تعاني فقط من ضغط العمل ومن الزكام الموسمي. في الوقت نفسه، انهار زوجها الذي يعاني من مرض السكّري، وبدأ يشعر بصعوبة كبيرة بالتنفّس وألم مبرح في الصدر، يشبه طعنات السكين. ارتفعت بعدها حرارته وبدأ يبصق دماً وهو في سيارته في طريقه إلى المستشفى في بوبينيي، إحدى ضواحي باريس، حيث يعيش مع عائلته.
تقول فتيحة هامار: "أمضى بعدها عميروش ثلاثة أيام في مركز العناية المركّزة في المستشفى، موصولاً بقناع الأوكسيجين والأمصال، لكن حتى الأطباء بدوا مشوّشين ومذعورين. بعدما أجروا له مسحاً، ظنّوا أنّه التهاب رئوي حاد جداً. لم أرَ زوجي ضعيفاً أو يتألم هكذا أبداً في حياتي".
ظهرت أعراض المرض شديدة أيضاً على ابنهم زيلالسين (3 سنوات) وابنتهم ماسيليا (9 أعوام). ولداهما الآخران، دهمان (7 أعوام) وليسيا (14 عاماً) التي تعاني من الربو، شعرا بالمرض أيضاً، لكن الأطباء ظنّوا أنّهما مصابان بالزكام. طال الأمر حتى إبريل/نيسان ليتأكّد عميروش، بطريقة لا تدعو للشكّ، أنّ ما أصابه كان "كوفيد-19".
اكتشف الأمر البروفيسور إيف كوهين، مسؤول قسم الإنعاش في "مستشفى جان فيردييه" في بوبينيي حيث أُدخل عميروش إلى المستشفى، وهو يراجع ملفات المرضى من شهر ديسمبر/كانون الأول. يظنّ كوهين أنّ مريضه الرقم صفر، أي عميروش، التقط العدوى من زوجته، التي التقطتها بدورها من الهايبرماركت.
بدوره، يقول عميروش لـ"العربي الجديد"، إنّه توقّف عن العمل كتاجر سمك، منذ سنة تقريباً، بسبب داء السكّري، و"لا بدّ أنّ (كوفيد-19) أصابني بهذه القوّة، بسببه أيضاً". ويضيف: "بقيت في مركز العناية المركّزة في المستشفى لثلاثة أيام، بينما بقيت أشعر بالمرض الشديد لحوالي 20 يوماً. اليوم أشعر أنني تخطّيت هذا المرض بمعجزة".
في الفيديو التالي الذي حصل عليه "العربي الجديد" حصريًا، يظهر عميروش في العناية المركّزة حين أصيب بالمرض:
جميع أفراد العائلة بخير الآن، لكنهم ما زالوا يشعرون بالخوف لأنهم لم يقوموا بإجراء فحص كورونا. هم أيضاً يشعرون بالقلق من إمكانية أن يكونوا قد نقلوا الفيروس، قبل فترة الحجر الصحي، إلى أفراد آخرين من عائلتهم، شعروا بضعف وقتها.
تقول فتيحة: "قد نكون جميعنا عانينا من هذا المرض في ديسمبر الماضي، لكن وحده عميروش عانى بشدّة منه، بسبب داء السكّري لديه". وتضيف:"ليس هناك دليل علمي يشير إلى أنّ هذا الفيروس لن يصيبنا مجددا. أنا أفكر بهذا الاحتمال كلّما سمعت أحد أطفالي يسعل. وما زال من الصعب جداً إجراء فحص كورونا في فرنسا، هذا ليس خياراً متاحاً لنا".
قبل ظهور قضية عميروش، ظنّت فرنسا أنّ أولى إصابات كورونا في البلاد سُجّلت مع عودة مجموعة من الأشخاص، يعانون من المرض، من الصين، في يناير/كانون الثاني من بداية هذا العام.
بلّغت الصين منظّمة الصحة العالمية عن الفيروس الجديد في 31 ديسمبر، لكن لم تكن هناك إصابات مؤكّدة بالفيروس خارجها قبل 13 يناير/كانون الثاني. ويعيش في باريس مجتمع كبير من الآسيويين، معظمهم من الصين. بعض هؤلاء يقيم في البلاد بشكل غير شرعي، ويعملون في السوق السوداء. وفرنسا على لائحة الدول الأوروبية الأكثر تضرراً من انتشار فيروس كورونا، مع أكثر من 26 ألف حالة وفاة بسببه.