بين 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، موعد أول انتخابات تشريعية مغربية تجرى بعد التعديلات الدستورية في العام نفسه، والتي انتهت بتصدر حزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية، الانتخابات، وتشكيله لاحقاً الحكومة للمرة الأولى، وبين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، موعد الاستحقاق الانتخابي الجديد؛ 5 سنوات مليئة بالمتغيرات السياسية الداخلية المغربية والخارجية، تجعل المقارنة بين الأجواء التي تم فيها الاستعداد للاستحقاقين مليئة بالفوارق.
في هذا السياق، يشير الأستاذ الجامعي، إدريس الكريني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحياة السياسية المغربية لطالما شهدت مداً وجزراً. وإن كانت انتخابات العام الحالي تشهد أهمية كبرى نظراً إلى أنها ثاني انتخابات تجرى بعد التعديل الدستوري عام 2011، والذي أعطى الغرفة الأولى من البرلمان مجموعة من الصلاحيات الرقابية والتشريعية، فضلاً عن إتاحته اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات.
ويلفت إلى الفرق الشاسع بين السياق الذي جرت فيه انتخابات 2011، وموعد الاستحقاق الحالي بعد 5 سنوات. ويوضح أنه في 2011 جرت الانتخابات في ظل ظروف داخلية وخارجية ضاغطة، آخذاً بعين الاعتبار حراك "حركة 20 فبراير". أما اليوم، فثمة استقرار اجتماعي وسياسي. وعلى الرغم من أن الحملات الانتخابية تشهد دائماً نوعاً من التنافس الحاد؛ إلا أن الكريني يعتبر أنها تتم هذه المرة في إطار من "تدبّر الاختلاف".
ضمن هذا السياق، لا يتوقع الكريني أن للتحولات في الإقليم، خصوصاً تلك التي طرأت على حركات الإسلام السياسي، انعكاسات على خيارات الناخبين في المغرب، معتبراً أنه لا يمكن الربط بينهما، لأن الصناديق تعبّر عن إرادة الناخبين، وفق قوله.
وبينما يشير إلى أن حزب "العدالة والتنمية" أتيحت له الفرصة للمرة الأولى عام 2011 لتسيير الشأن الحكومي؛ يؤكد أنه ثمة اليوم منافسة قوية بين الأحزاب، بما في ذلك حزب "العدالة والتنمية" ذاته، و"الأصالة والمعاصرة"، و"الأحرار"، وغيرهم.
ويلفت إلى أن النتائج سيتحكم فيها بالدرجة الأولى آراء وتقييم المواطنين للحكومة وأداؤها طوال السنوات الماضية. وبقدر ما يرى أن النتائج ستعكس مدى شعبية الحكومة، وحزب "العدالة والتنمية" خصوصاً، بصفته المكون الأبرز فيها بعد 5 سنوات من إدارة البلاد. ويرى أن الاستحقاق سيكون اختباراً للمعارضة كونها بنت حملاتها على توجيه مجموعة من الانتقادات للأداء الحكومي.
بدوره، يتحدث أستاذ العلوم السياسية، العمراني بوخبزة، لـ"العربي الجديد"، عن فارقين أساسيين بين استحقاقيْ 2011 و2016، الأول سياسي داخلي والآخر خارجي. ويشير إلى أن الفارق الأول يرتبط بالمناخ العام، إذ إن عام 2011 اتسم بوجود حراك في الشارع، فضلاً عن الربيع العربي الذي كان له تأثير كبير، ما أفضى إلى تنصيب حكومة "العدالة والتنمية" بعدما تصدر الانتخابات.
أما في السياق السياسي الداخلي، يشير أولاً إلى أن انتخابات 2016 تجري وفقاً لنظم قانونية مختلفة، بعدما تمت مراجعة قانون الانتخاب وإدخال تعديلات عدة.
وأولى هذه التعديلات ترتبط بالعتبة الانتخابية التي تم تخفيضها من 6 إلى 3 في المائة. والمقصود بالعتبة الانتخابية الحد الأدنى من الأصوات التي يتوجب على كل حزب تأمينها حتى يفوز بأحد المقاعد المتنافس عليها في أي دائرة انتخابية.
ويضاف إلى ذلك أن قائمة الشباب (قائمة وطنية) أصبحت مفتوحة أمام الإناث والذكور على حد سواء، بعدما كانت مقتصرة على الذكور.
وإلى جانب القوائم المحلية التي تنتخب محلياً؛ توجد قائمتان وطنيتان، واحدة للنساء، وتضم 60 امرأة، وقائمة للشباب (أقل من 40 عاماً) تضم 30 مقعداً يختار الناخبون ممثليهم في انتخابات مباشرة.
من جهة ثانية، يقول بوخبزة إن استحقاق 2016 يأتي في سياق مرتبط بنقاش سياسي محتدم بين "العدالة والتنمية" من جهة، و"الأصالة والمعاصرة" (المعارض) من جهة ثانية. ووفقاً لبوخبزة، أصبح السجال بينهما مهيمناً على العملية الانتخابية، إذ "تنصبّ المتابعة المكثّفة على هذين الطرفين بينما يتراجع الاهتمام بالأحزاب الصغيرة".
كما يتوقف عند نسبة الترشيح المرتفعة في الانتخابات الحالية إذا ما قورنت باستحقاق 2011. ويلفت إلى أن المعدل العام هذه المرة يقترب من 15 لائحة عن كل دائرة انتخابية (يوجد 92 دائرة). وهو ما يشير، من وجهة نظره، إلى أن "كل حزب يشارك في الاستحقاق يثق في قدراته، فضلاً عن وجود رغبة واسعة لدى الأحزاب بالمشاركة".
يذكر أنه بحسب الإحصاءات المقدمة من اللجنة المركزية للانتخابات، التي تشرف عليها وزارة الداخلية؛ فإن عدد قوائم الترشيح المقدمة برسم كافة الدوائر الانتخابية المحلية، وأيضاً الدائرة الانتخابية الوطنية، 1410 قوائم، تتنافس جميعها حول 395 مقعداً في مجلس النواب.
ويلفت الباحث السياسي نفسه إلى أنه بالمقارنة بين استحقاقي 2011 و2016، يمكن الاستنتاج أن الأحزاب السياسية وصلت إلى درجة من النضج. أما الدليل على ذلك فهو عدم تسجيل العديد من المشاحنات والصراعات التي تنتهي باللجوء إلى القضاء. ويلفت إلى أن عدد الشكاوى في 2066 لم يتخط الـ100، بينما في الانتخابات السابقة تجاوز الـ 500 شكوى.
ويشير إلى الاختلاف الذي طرأ على الحملات الانتخابية وطريقة إدارتها، إذ غلب التركيز في 2016 على وسائل التواصل الاجتماعي من دون التخلي بشكل كامل عن الأساليب التقليدية من منشورات وخطب ومؤتمرات. كما أن أبرز الأحزاب باتت لديها إذاعات إلكترونية ومواقع إلكترونية تركز من خلالها على حملات استقطاب الناخبين. وهو ما يفسر من وجهة نظره فتور الحملات الانتخابية في الشارع المغاربي حتى قبل يوم من موعد الانتخابات.
كما يتوقف بوخبزة عند وجود رغبة لدى الجميع بأن تكون الانتخابات شفافة ونزيهة وحرة، معتبراً أن هذا الأمر مرتبط بالسماح للمراقبين المحليين والدوليين بمراقبة الانتخابات، لا سيما أنه دائماً ما يكون هناك إشارة إلى "انزلاقات خلال العملية الانتخابية".
من جهة ثانية، يتطرّق إلى دور الإعلام، مشيراً إلى أنه حدث تقدم كبير بين الاستحقاقين، خصوصاً لجهة الاعتماد على المناظرات بين المتنافسين على مستوى الأمناء العامين للأحزاب، أو باقي القيادات.