حرب شوارع فرنسية: الإرهاب يطوّر نفسه في الجنوب الراقي

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
16 يوليو 2016
E71087A7-EAAA-4EB3-98B1-5247374054D9
+ الخط -

"أشياء مثل هذه تقع في فرنسا، شيءٌ لا يُصدّق". "لدينا الانطباع بأننا لسنا في فرنسا". "كنا نتصور أن هذا لا يحدث إلا في سورية والعراق والصومال". هذا بعض ما قاله كثر من الذين شهدوا ما حدث، مساء الخميس في نيس الفرنسية، ومنهم العديد من السياح الأجانب، الذين كانوا يستمتعون بالألعاب النارية التي تعقب عادة، العيد الوطني الفرنسي في كل 14 يوليو/تموز من كل عام.

في نيس، رأى السياح ما يُشبه حرب شوارع حقيقية بعد اقتحام شاحنة بيضاء بقيادة التونسي، محمد بوهلال (31 عاماً) تجمّعاً في ساحل المدينة، لمسافة كيلومترين اثنين، مودياً بحياة 84 شخصاً على الأقل، وجرح 50 آخرين، قبل أن يتم إطلاق النار عليه وقتله.

في دوافع العملية، يعتبر البعض أن كون نيس مدينة سياحية في جنوب فرنسا، فقد يكون استهداف السياح فيها وفي البلاد، جزءاً من فلسفة الجهة التي خطّطت للعملية، خصوصاً إذا كان الأمر متعلقا بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وهو الرأي السائد لدى رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، ومسؤولي الأمن، وهو أيضاً موقف العديد من العاملين والباحثين في مجال التطرف الإسلامي، الذين رأوا فيه علامة من تنظيم "داعش". مع العلم أن لا سوابق إرهابية لبوهلال، ولم يكن في قائمة من ترصدهم، أجهزة الأمن والاستخبارات الفرنسية، رغم أنه كان متابعاً بسبب ضلوعه في جرائم وجنح.

وإذا لم تكن مدينة نيس، التي يُعرَف عنها بأنها المدينة الأكثر أماناً في فرنسا، بسبب الحجم الكبير لكاميرات المراقبة، مستهدَفةً بشكل صريح، إلا أن مدن فرنسا كانت كلها هدفاً لـ"داعش"، ذلك لأن أحد قياديي التنظيم توجّه برسالة إلى "عناصره" في فرنسا، طالباً منهم "استخدام وسائل بسيطة ورخيصة، ومن بينها الشاحنات، للضرب في كل مكان".

وهذا التغيير في طريقة عمل التنظيم، لَحَظَه رئيس الاستخبارات الداخلية الفرنسية باتريك كالفار، في 24 مايو/أيار الماضي، خلال لقائه "لجنة التحقيق المتعلق بالوسائل التي سخّرَتها الدولة لمكافحة الإرهاب منذ اعتداءات 7 يناير/كانون الثاني 2015" البرلمانية. وأكّد كالفار خلال اللقاء أنه "على يقين بأن تنظيم داعش سيُطوّر طرق عمله"، مبدياً مخاوفه من "لجوء التنظيم إلى استخدام السيارات المفخخة والعبوات المتفجرة. وهو ما يعني أنها لن تلجأ إلى ما فعلته في مسرح باتاكلان (اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، أي إطلاق الرصاص ثم تفجير الانتحاريين لأنفسهم، بل إرسال فرق كوماندوس، تتمثل مهمتها في تنفيذ حملات إرهابية من دون المُخاطَرة بقتل أفرادها لأنفسهم". مع ذلك أقرّ كالفار بأن "هذا المستوى الدقيق ليس عملياتياً بعد في انتظار نجاح التنظيم في إرسال مهندسين له في وضع العبوات والتفخيخ في التراب الفرنسي، من أجل تجنّب التضحية بمقاتليها وتحقيق أكبر الخسائر".




واعتبر المسؤول الأمني أن "أكبر خطر تواجهه فرنسا يتمثل في الأفراد الذين حاربوا وتلقوا تدريبات في سورية والعراق، مثل أولئك الذين اقترفوا اعتداء باتاكلان، وهم في حدود 400 إلى 500 شخص، ويقومون بأعمال إرهابية كبيرة الحجم".

في هذا السياق، تبدو نيس مخيفة، فدوائر الشرطة والاستخبارات الفرنسية تتحدث عن التحاق ما يفوق مائة شخص من المدينة وحدها، بـ"داعش" في سورية والعراق. كما أن الجناح المتطرف في حزب "الجمهوريون"، المقرّب من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، يقود المدينة من خلال كريستيان إيسرتوزي وإيريك سيوتي، اللذين تتميز علاقاتهما بالجالية الإسلامية بالتوتر والحذر المتبادل.

الأبرز هو طرح مراقبين سؤالاً حول كيفية تمكّن المعتدي من تنفيذ جريمته، بظلّ حالة الطوارئ، والوصول إلى الحشود، معتبرين ما إذا كان نجاح تنظيم كأس أوروبا للأمم لكرة القدم، قد منح الفرنسيين فرصة لإقناع أنفسهم بأن الخطر الإرهابي لم يَعد داهماً. وهو ارتياح عزّزه تصريح هولاند في مناظرة العيد الوطني، يوم 14 يوليو، عن رفع حالة الطوارئ في 26 من الشهر الحالي، قبل أن يمددها مجدداً ثلاثة أشهر إضافية، إثر الاعتداء.

مع ذلك، فإن هذا النوع من الهجمات، لا يمكن تصوّره، مسبقاً، ولا إجهاضه قبل الأوان، كما يقول خبراء مكافحة الإرهاب، علماً أن رئيس الحكومة مانويل فالس شدّد، أمس الجمعة، على أن الحرب ضد الإرهاب طويلة، وهو ما يعني تعبئة الرأي العام الفرنسي للاستعداد لمرحلة طويلة من "التضحيات الكبيرة والمتنوعة، أمنياً وحقوقياً وغيره".

وكما حدث من قبل، أثناء الاعتداءات السابقة في فرنسا، عبّر الرأي العام، وضمنه الجالية العربية الإسلامية في فرنسا، بشكل تلقائي، عن إدانته للجريمة، وتضامنه مع الضحايا وعائلاتهم، وتقديم مختلف أنواع الدعم والتضامن، أكان عبر التبرع بالدمّ، أو في نقلٍ سكان نيس إلى منازلهم أو استضافة بعضهم وبعض السياح.

وقد كان "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" سبّاقاً إلى "إدانته الشديدة لما حدث في نيس"، داعياً إلى "الوحدة في مثل هذا الاختبار القاسي الذي يمسّ، مرة أخرى، المجموعة الوطنية"، كما "وجّه تعازيه وتضامنه مع عائلات الضحايا وأقربائهم".

وقد أدان "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" في بيان صدر بعد الاعتداء، "الهجوم الدنيء والمقيت الذي يستهدف بلدنا في يوم عيده الوطني، الذي يحتفل بِقِيَم الحرية والمساواة والأخوّة". وعبّر عن كامل تضامنه مع سكّان نيس وعميق تعاطفه مع عائلات الضحايا، متمنياً للجرحى الشفاء العاجل. كما كرّس المجلس صلاة الجمعة، من أجل "ضحايا هذا الهجوم الوحشي".

وفي بيان آخر صدر عن مسجد باريس الكبير، عبّر العمدة دليل بوبكر، عن "عميق تأثره وذهوله لما حدث"، منتقداً "الاعتداء الإجرامي الدنيء والفظيع". ودعا إلى "وحدة كل المواطنين في هذا الاختبار الجديد والرهيب الذي وحّد الجماعة الوطنية في حداد عام".

نفس الموقف عبّر عنه رئيس "اتحاد المساجد الفرنسية"، محمد موساوي، من خلال إدانته الشديدة "لهذا الاعتداء الجبان والدنيء" الذي يُذكّر، وفق موساوي، بـ"الطرق التي يتحدث عنها تنظيم داعش". وأعاد موساوي تشديده على أن الأولوية يجب أن تكون لـ "التربية والوقاية لدى الشباب، الذين تحوّل بعضهم، الآن، إلى وسائل وأسلحة للإرهاب".

كما عبّر رئيس "فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا"، محمد زرولت، عن ذهوله لما حدث، واصفاً الاعتداء بأنه "يهدف لقتل أكبر قدر من الضحايا المسالمين". كما أعلن أن "الردّ على مثل هذه الاعتداءات، هو الوحدة والتضامن بين كل مكوّنات المجتمع الفرنسي".

من جهتها، عنونت صحيفة "نيس ماتان"، إصدار الأمس، بـ"مجزرة في نيس"، أما صحيفة "لوفيغارو"، فوصفت الأمر على صفحتها الأولى بـ"الفظاعة، من جديد"، في إشارة إلى ما جرى في فرنسا، وبلجيكا. أما "لوباريزيان" فكتبت: "14 يوليو: الفظاعة في نيس".




ذات صلة

الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
تواصل الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، 31/5/2024 (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدن وبلدات في أرياف محافظتي إدلب وحلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام احتجاجات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني وجهازها الأمني
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن