قبل أكثر من عشرين عاماً، راح أبو نبيل يشعر بجفاف في فمه. تكرّرت الحالة، لا سيّما خلال نومه. "في تلك الفترة كنت أمرّ بحزن كبير". كان في الأربعينيّات، وكان أولاده الثلاثة ما زالوا صغاراً، لم يبلغ أكبرهم الثامنة عشرة من عمره. يخبر أنّه لم يعد يذكر تحديداً ما أحسّ به عندما شُخّص داء السكّري لديه. لكنّه سرعان ما يستدرك قائلاً: "شعرت بالخوف. نعم شعرت بالخوف. إنّه الخوف". يكرّر الكلمة، كأنّه عاد ليتذكّر ما انتابه حينها.
"المشكلة هي في أنّ السكّري في عائلتنا وراثيّ. وأعرف جيّداً كيف يولّد هذا المرض أمراضاً أخرى، إذ يضرب شبكيّة العين وكذلك الكلى وغيرها، لا سيّما كلّ الشرايين الدقيقة في جسم الإنسان". هو خبير، ليس لأنّه تعلّم ذلك، بل لأنّ ما خبره مع والدته وأفراد آخرين في العائلة كان كفيلاً بجعله حريصاً على السيطرة على دائه.
مذ اكتشف أبو نبيل داءه، اشترى آلة منزليّة لفحص السكّري. "أُداري حالي. هذا ما يهمّ". في صباح كلّ يوم، يخز إصبعاً من أصابع يدَيه ويضع نقطة دم على القشّة الخاصة، قبل أن تحلّل الآلة النتيجة. هذا طقسه الصباحيّ "على الريق"، قبل تناوله أيّ طعام. بعدها يأخذ دواءه الأوّل، وفي وقت لاحق يتناول فطوره الذي غالباً ما يكون خفيفاً. وخلال الوجبة، يأخذ دواءه الثاني. ثلاث جرعات منه في اليوم. هكذا تقول وصفة الطبيب. لا يفوّت حبّة، إذ لا يرغب في الانتقال إلى مرحلة العلاج بالأنسولين. "المهمّ، أن يداري المرء حاله". وهو ينجح في ضبط مستوى السكّر في الدم نوعاً ما، بغية عدم وصوله إلى مائة وستين أو مائة وثمانين. "لكنّني في حال بلغته، أعيد سريعاً تنظيم أكلي. وأفحص المستوى مرّات عدّة في اليوم، لأراقب انخفاضه أو ارتفاعه".
تجدر الإشارة إلى أنّ مستوى السكّر المقبول في الدم يتراوح ما بين ثمانين ومائة وعشرين. وهو أمر يدركه جيّداً أبو نبيل، الذي لم يتخطّ المستوى لديه الثلاثمائة في يوم. "هذا ما يجنّبني حتى الساعة اللجوء إلى الأنسولين".
لا يراجع أبو نبيل طبيبه المتخصص في الغدد الصمّاء والسكّري مرّة كلّ ثلاثة أشهر أو ستّة أشهر كما هو مطلوب، بل مرّة كلّ سنة. لكنّه لا يتردّد في الاتصال به في حال شعر بأنّه ليس على خير ما يرام، أو في حال اختلّ المستوى بطريقة غير طبيعيّة. "في بعض الأحيان، أعود إلى أطبّاء آخرين إذا لزم الأمر. أنا لا أهمل نفسي. أحاول قدر المستطاع مداراة حالي". كذلك، يراقب مخزون السكّر، الذي يُعدّ أساسياً لدى المصابين بهذا الداء. يفعل ذلك مرّة كلّ ثلاثة أو أربعة أشهر. "نتيجة المخزون بالنسبة إلى شخص مثلي، مقبولة. عادة ما يكون مستواه سبعة أو أكثر بقليل. لا يتخطّى الثمانية".
أبو نبيل ليس من هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون دائماً بحاجة إلى تناول الأطعمة الغنيّة بالنشويّات والسكّر. "في بعض الأوقات، أفعل. فأتناول حبّة بقلاوة مثلاً أو حبّة شوكولاتة". لكنّه في الأيّام العاديّة، يحرص كثيراً على نظامه الغذائيّ، في إطار "مداراة حالي". يحاول تجنّب الكميات الكبيرة من النشويّات. يتناول كلّ ما تحضّره أمّ نبيل، لكنّه يكتفي بكميّة نشويّات قليلة. "إذا كان الطعام يحتوي أرزّاً أو بطاطا، فأنا لا أتناول الخبز مطلقاً. لكنّني أعدّ شطيرة صغيرة من الخبز الأسمر والجبن لأتناولها مع الدواء، عندما يحين وقته. قد لا أشعر بالجوع، لكنّني أضطر إلى ذلك".
بالنسبة إلى أبو نبيل، ما هو أخطر من ارتفاع مستوى السكّر لدى المصاب، هو انخفاضه. "في الأمس، انخفض إلى 48. شعرت بأنّ معدتي غارت وكذلك قلبي. صرت أعرف الأعراض. سريعاً تناولت حبّتَين من الشوكولاتة وبعض العنب. فعاد إلى معدّله بعد وقت قصير". وأعراض الهبوط تختلف من شخص إلى آخر، بحسب ما يشير، لذا لا بدّ من أن يتنبّه كلّ مصاب بالسكّري إلى أعراضه الخاصة، حتى يعالج الأمر في الحال. "الهبوط الحاد يؤدّي إلى غيبوبة".
قد يكون نمط حياة أبو نبيل، الأقرب إلى المثالي، بالنسبة إلى مصاب بداء السكّري. إلى جانب مراقبته مستوى السكّر في الدم وحرصه على اتباع حمية مناسبة ومواظبته على الأدوية، يعمد الرجل الذي بدأ يقترب من سبعينه إلى المشي "مرّتَين أو ثلاثاً في الأسبوع. وأحياناً قد أفعل لمدّة ساعة ونصف الساعة. كلّما توفّر لديّ الوقت أفعل. في الماضي، كنت أمشي يومياً، لكنّ المشاغل اليوم تمنعني من ذلك". ويشدّد: "المشي أهمّ من حبّة الدواء".
نمط حياته يجنّبه "الشعور بالخطر". صحيح أنّ الأمور قد تسوء على الرغم من المداراة، إلا أنّه يقوم بكلّ ما بوسعه. "أنا المتضرّر هنا، وليس أيّ شخص آخر. لذا لا بدّ من الاهتمام بنفسي. أعرف جيّداً ما الذي يؤثّر سلباً عليّ وأعمل على الابتعاد عنه". كذلك، يحرص ألا يُصاب بأيّ جرح أو خدش. "جراح مريض السكّري لا تندمل بسهولة. وقد تكون مضاعفاتها خطيرة". ويحرص على إبقاء جلده طرياً عبر ترطيبه حتى لا يتشقّق، خصوصاً قدمَيه. "هذا أمر فائق الأهميّة".
قبل أن يتزوّج أبو نبيل، كان يعاني من البدانة، ووصل وزنه إلى نحو 125 كيلوغراماً. لكنّه خسر الزائد منه، "واليوم لا أسمح لوزني بأن يرتفع. السمنة من العوامل المحفّزة للسكّري. لا بدّ من أن يتنبّه الشباب لذلك".