عن السينما والحبّ والجنون: ماتيو آمالريك في واجهة "كانّ"

كان

نديم جرجوره

avata
نديم جرجوره
22 مايو 2017
14D74F9F-A783-477A-8998-A107F21BE395
+ الخط -
يصعب اختصار السيرة المهنية للممثل والمخرج الفرنسي، ماتيو آمالريك (1965). حضوره في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017)، لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، مثير لاهتمام معنيين بالنتاج السينمائي الفرنسي، ودعوة إلى التأمّل في نوعية الاشتغال، التي يصنعها ابن مراسل الصحيفة الفرنسية "لو موند"، جاك آمالريك، والناقدة الأدبية في الصحيفة نفسها، نيكول زاند. ففي "كانّ"، يكشف آمالريك، مجدّداً، عن براعته الفنية والجمالية والدرامية، في مهنتين سينمائيتين يُتقن ممارستهما، غالباً: التمثيل والإخراج.
هذا، وحده، كافٍ إلى درجة كبيرة، كي يتحوّل الفيلمان المُشاركان في "كانّ الـ 70" إلى معاينة نقدية لأدواته التمثيلية أولاً، ولآلية عمله الإخراجيّ ثانياً.
ثم إن الحضور المذكور غير مُقتَصَر على مُشاركة الفيلمين في افتتاحين رسميين (الأول خاصّ بالمهرجان برمّته، والثاني معنيّ ببرنامج "نظرة ما"). فماتيو آمالريك حاضرٌ شخصياً لتقديم عمليه، وللإجابة على تساؤلات نقاد وصحافيين، في المؤتمرين الصحافيين الخاصّين بهما، ولإبراز "موهبته" الجميلة في إضحاك هؤلاء، وفي إثارة حشرية المُشاهدة والتعليق والتواصل معه. ولأنه ممثلٌ في الفيلمين، فهذا يدعو إلى التنبّه النقدي إلى الاختلاف بين الشخصيتين، كما في كيفية تقديمهما؛ وإلى الاختلاف بين الفيلمين، إذْ يغوص الأول ـ "أشباح إسماعيل" لآرنو ديبلشان (1960) ـ في الانشقاق والتمزّق النفسيين والروحيين للشخصية؛ ويكشف الثاني، "باربارا"، له، ممثلاً ومخرجاً، عن العلاقة الإنسانية والانفعالية والروحية بينه وبين المغنية باربارا (واسمها الأصلي مونيك سِيرْف، 1930 ـ 1997)، من جهة أولى؛ وبينه وبين الممثلة التي تؤدّي دورها في الفيلم داخل الفيلم من جهة ثانية؛ وبينه وبين الممثلة جاين باليبار (1968)، شريكته السابقة وأم ولديه الاثنين، من جهة ثالثة.
إنها، باختصار، متعة المُشاهدة. ماتيو آمالريك صانع متعة، كممثل ومخرج في آن واحد. غرقه في جحيم الألم والحُطام والتوهان في أروقة الخراب والتمزّق (أشباح إسماعيل)، يجعل حرفيته الأدائية انعكاساً لمعنى التحطّم أمام الحبّ الموؤود، والقلق المفتوح على مواجهة عنيدة لأشباح الذات والماضي والعلاقات والأنساق المعتمدة في تواصلٍ حسي ومعنوي وشبقي بالآخر، وتضع أسئلة الحياة والموت، بتفاصيلهما المدمِّرة والمأسوية والانفعالية، في موضع ملتبس، بين الرغبة المجنونة في الخلاص غير المرئيّ، والهذيان المحموم في الحدّ الفاصل بين سيرة ومتخيَّل.
أما انجذابه بمغنية ومؤلّفة وملحنة وممثلة، وارتباطه العاطفي بعوالمها الفنية والدرامية، فعاملٌ إبداعي لصناعة متعة من نوع آخر: في "باربارا"، يتداخل الذاتي الواقعي بالمتخيّل السينمائيّ، المنبثق ـ هو أيضاً ـ من حكاية ذاتية وواقعية. هناك، أولاً، شخصية المغنية، التي يُسحر بها ماتيو آمالريك ذات لحظة، منذ وقتٍ بعيد. وهناك، ثانياً، دوره كمخرج في فيلمٍ يصنعه عن المغنية، داخل فيلم "باربارا"، وما يحمله هذا المخرج (آمالريك نفسه)، الذي يحمل اسم إيف زاند (اسم العائلة مستوحى من اسم عائلة والدته)، من حبّ وهيامٍ بممثلة الشخصية (باليبار) في الفيلم داخل الفيلم، وبالممثلة نفسها، جاين باليبار،
أي أن الحبّ، العميق والحاد، يُصبح النواة الدرامية الأساسية لـ "باربارا"، في 3 مستويات، يحتل ماتيو آمالريك فيها مرتبة أولى: فهو يحبّ المغنية، ويحبّ الممثلة التي تؤدّي دورها في الفيلم داخل الفيلم، ويحبّ جاين باليبار التي تؤدّي دور باربارا. بهذا، يتحوّل "باربارا" إلى مزيجٍ جميل من السينما والعشق والتداخل الإبداعي بين صناعة الفيلم وعيش الحياة وإقامة العلاقات، ويُصبح نموذجاً لكيفية تحرير أفلام السِيَر الذاتية ـ الحياتية من سردٍ تأريخي، أو تمعّنٍ بمرحلة محدّدة، أو تكثيفٍ لانعكاس السِيَر بالحياة العامة.
والحبّ نفسه، كحالة مزدوجة التأثيرات بين الإيجابي والسلبي، حاضرٌ في "أشباح إسماعيل"، بل إنه مُحرِّك السياق الدرامي والإنساني والحياتي للحدث وناسه، إذْ ترتكز الحبكة على شخصية مخرج سينمائيّ (تماماً كما في "باربارا")، يستعدّ لتحقيق فيلمٍ عن رجلٍ، يستوحي قصّته من سيرة شقيقه الدبلوماسي، قبل أن يُصدم بعودة حبيبته وزوجته كارلوتا (ماريون كوتيار) من "الموت"، المتمثّل بغيابها التام عنه لمدّة تتجاوز الـ 20 عاماً بقليل. وأمام العودة غير المتوقّعة، وغير المُنتظرة، تنكسر عوالمه الداخلية، وتتحطّم علاقته بصديقته سيلفيا (شارلوت غاينسبور)، التي تُنقذه من الخراب، مجدّداً.
أمران يجمعان الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلمين، إحداهما بالأخرى، اللتين يؤدّيهما ماتيو آمالريك: مخرج سينمائيّ، والحبّ الذي يُحرّكه، ويسحقه، ويضعه أمام مرايا الذات والروح. معهما، يُقدِّم آمالريك دورين أخّاذين، لشدة براعة أدائهما، هما المنتميان إلى عالمين نفسيين مختلفين، وإنْ كانا ينبثقان من إحساس الحبّ، إلى التخوم الكثيرة للألم.

دلالات

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن
المساهمون