ليس بالضربة القاضية

14 يناير 2015
لا لون غير لون الاتفاق على تحصيل الحرية (Getty)
+ الخط -

عندما جاء قرار الشباب العربي جلياً في تظاهرات النداء بالحياة والكرامة، كثرت التوقعات وتكثفت الآمال، وكان بعضهم ينظر للظرف الثوري القائم عربيا، بالنظرة ذاتها التي تم تناول أكثر من حدث ثوري تاريخي عبرها، أي عبر فهم الأحداث وفق حركية السيف الحاد الباتر. وكان المنتظر والمأمول أن يتم قطع جذري مع ما استمر طويلا من استبداد، بل استعباد، وإذلال لكل ما له علاقة بروح ووجود الإنسان العربي بما هو إنسان، وهذا الشكل من الأمل مفهوم ومبرر لدى كل من منّى نفسه، أو سمح بأن يغمرها الحلم بالقطع النهائي مع ما اختبر من سواد الدكتاتوريات العسكرية طويلة الأمد.

وربما ليس للنظرة المستهلكة، أو الفكرة المطلقة عن الثورات، بما هي قلب لواقع وقولبة لآخر، المساحة الكلية لأن تكون المبرر للآمال الفورية التي عقدت على حراك الشباب العربي، ولا لصرامة الحال في ظل الدكتاتوريات أيضاً، بل ربما أن للحظة التاريخية التي أتت الثورات من ضمنها دوراً كذلك، كما لشكل وآليات الحراك كذلك، من دون إغفال واقع أن الحراك الثوري العربي جاء مفاجئا، على الرغم من الدلالات والمسببات العديدة، إلا أن مفاجأته جاءت بزخمه، ورشاقته، والتفاف الشعوب العربية بتعدد مكوناتها حوله، وطابع الانغماس المتعدد طبقيا فيه، وأن لا لون غير لون الاتفاق على تحصيل الحرية وتحقيق معنى الكرامة، وإن تبدل بعض الحال بعدما نال ثورات الشباب العربي من ضربات معسكر الثورة المضادة لاحقا.

إذ لم يكن من المتوقع أن يذهب الشباب العربي إلى هذا الحد في رفض الخديعة، واستنكار العته السلطوي، وكان مرتقبا من أطراف ليست بالقليلة أن يعود الشباب أدراجه بعد بعض غناء وهتاف لحرية المعتقلين أو حرية فلسطين، أو شتم الدولة البوليسية، لكن "الشعب يريد إسقاط النظام" أضيفت إلى جعبة مفاجآت الربيع العربي.

وبحضور الإصرار الثوري إلى جانب المفاجأة الثورية تعزز الأمل بذاك السيف الذي ينتظر أن يقطع مع ما مضى. وفي لحظات طغيان الروح الثورية، وعاطفة الحب للأرض والإنسان لا يكون مستغربا انتظار الكثير، بل المزيد من هذا الكثير، وبشكله العاجل، فعندما تكون القبضات عالية، والصرخات كذلك، لا يكون هناك متسع لصفوات التحليل الاستراتيجي، ولا لتنظيرات حركة التاريخ، أو جهوزية الشروط، كل ما يعرفه العقل الجمعي في تلك اللحظات هو أن المضي في طريق تحطيم الأصنام لا حيد عنه ولا عودة، وأن تحطيم البادي منها كفيل بإزاحة شبحها، مرة وللأبد.

وربما يتوفر اليوم متسع لافتراض أنه لم يتم التقاط جميع الخيوط الخافية وراء وقوف الأصنام طويلا، أو لم يتم التوقف لديها طويلا، أو بالأحرى كانت هذه الخيوط بتشابكها وتعقيدها وعمق الظلام الذي تمارس فعاليتها من ورائه سدا منيعا أمام السماح للعقل الجمعي بالتقاطه، أو التنبه الكافي لما تشكله من مخاطر وتهديدات على مستقبل الحراك ومسيره.

وليس لأحد الحق في صب اللعنات، ولا ذرف الدموع، ولا التشفي ولا التندر على مآلات ثورات الشباب العربي، فما يتعرض له شباب 25 يناير اليوم من تنكيل واعتقال وتهجير في الأرض، وما يشهده شباب القصبة وشارع الحبيب بورقيبه من عودة وإعادة تسرب لوجوه النظام البائد، وما لحق بشباب اليمن من لعنة طائفية مليشياوية، وما هو قائم من مصائب أمام الشباب السوري، ومثله اللبناني، وليس الفلسطيني أو الليبي ببعيد عن أحوال أشقائه وشركائه في الحلم والمصير، في ما يشهده من تعقيدات والتفافات على جهده، كل هؤلاء شركاء في الحلم كما هم شركاء في المآل وكذلك التحديات على تنويعاته، لكن، والأكثر ضرورة للاعتراف بوجوده، أنهم، جميعاً، شركاء في ضرورة الاقتناع بالتراكم والاستمرارية، عنوانان لإزاحة سطوة الأصنام كلياً، ولكن ليس بالضربة القاضية.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون