ارتدت مطاعم لبنان حلّة "مونديال قطر 2022"، تزيّنت بأعلام الفرق المؤهَّلة، وضعت شاشات ضخمة لنقل الحدث العالمي، منها الذي ابتكر افكاراً ترفيهية لخلق أجواءٍ رياضية مشجِّعَة لجذب هواة كرة القدم المحرومين، من مشاهدة المباريات من منازلهم عبر التلفزيون الرسمي بشكل مجاني مع عجز السلطات الرسمية عن تأمين السيولة اللازمة.
وتنتظر المؤسسات السياحية مثل هذه الأحداث لتنشط اقتصادياً وتعوّض الخسائر التي تكبّدتها بفعل الانهيار المالي وجائحة كورونا، مراهنةً اليوم على عشق "وازنٍ" من اللبنانيين لكأس العالم، الذي يترجم بتعليق الأعلام على شرفات المنازل، والسيارات، وتنظيم المسيرات خلال البطولة، والجلسات مع الأصحاب وروابط المشجعين لمشاهدة المباريات، وهو عشقٌ بات هذه السنة "مكلفا" بفعل أسعار المطاعم المرتفعة ورسوم الدخول المشترَطة، التي يقابلها رزمات مُكلِفة أيضاً للاشتراك "التلفزيوني" المنزلي.
وشرّعت وزارة السياحة اللبنانية في تعميم أصدرته للمؤسسات التي تعرض المباريات في صالاتها استيفاء رسم دخول أو تحديد السعر المطلوب استيفاؤه عن كل شخص بحسب ما تقدمه خلال فترة بث المباراة، وذلك بذريعة أنه يترتب عليها كلفة مالية، كلّ بحسب قدرتها الاستيعابية، وحرصاً على استمرارية عمل هذه المؤسسات.
وفي جولةٍ على بعض المطاعم والمقاهي في بيروت والمتن وكسروان، فقد تراوحت رسوم الدخول للمشاهدة فقط بين 4 و7 دولارات أميركية (فريش أي نقدي أو وفق سعر الصرف اليومي للسوق السوداء، حيث يتأرجح الدولار على خط 40 ألف ليرة) للشخص الواحد أو الطاولة حسب كل مطعم، من دون أن تشمل الطعام أو الشرب، في حين اعتمدت بعض المؤسسات ما يُعرف بـ"مينيموم تشارج" أي حدّ أدنى للطلبات يختلف بين 10 دولارات للشخص الواحد، و15 دولارا و20 دولارا و50 دولارا صعوداً، وتبعاً لتقديمات المقهى.
روني، مشجّع لبناني "عتيق" للمنتخب البرازيلي، يعشق كرة القدم، ويستمتع بمشاهدة المونديال مع عائلته، خصوصاً أن كلّ واحد منهم يشجع فريقاً منافساً، فزوجته تحبّ المانيا، وابنه مع الأرجنتين، لكنه يبحث عن المطعم الأقل كلفة لحجز طاولة فيه وينتظر المباريات المتقدّمة، فكأس العالم "مطوّل" وفق تعبيره، ولا يمكن إنفاق ما لا يقل عن مليون ليرة على كل مباراة، فهذا المبلغ يساوي جزءاً كبيراً من راتبه الشهري (5 ملايين ليرة).
ويأسف روني للأسعار المعتمدة من قبل المطاعم، التي قد لا يمتنع الشباب عن دفعها، لكن على مستوى العائلات، فالأرقام "قاسية"، من هنا سيحاول البحث "أونلاين" على مواقع تنقل المباريات "ولو أن خدمة الإنترنت سيئة"، آملاً أن تتمكن الدولة اللبنانية من إتمام اتفاق النقل المجاني عبر التلفزيون الرسمي حتى يتسنّى للجميع مشاهدة المباريات.
في المقابل، يقول مسؤول في أحد المطاعم في منطقة جونيه – شمال بيروت لـ"العربي الجديد"، إن المؤسسات السياحية تتكبّد مصاريف وأعباء مالية كبيرة لنقل مباريات كأس العالم، فهناك من جهة اشتراك النقل الذي يتخطى الـ3 آلاف دولار حسب القدرة الاستيعابية للمطعم، إضافة إلى الشاشات الكبيرة التي يمكن تركيبها خصيصاً للمناسبة، وفواتير الكهرباء والمولدات الخاصة، والمازوت، والمياه، وغيرها.
ويشير المسؤول إلى أنه "يعتمد رسم دخول 3 دولارات لكل شخص، كما يحدد المطعم حدّا أدنى للطلبات إما نقداً بالدولار أو حسب سعر الصرف بتوقيت المباراة، ويشمل الطعام، المشروب، والنرجيلة، لكن التعرفة متحركة، وتختلف حسب المباراة، فالأسعار حتماً ستكون مختلفة في المراحل المقبلة، مثل ربع النهائي أو النصف النهائي، لترتفع أكثر في المباراة النهائية".
ويلفت إلى أنه حدّد هذا المبلغ لأنه يقدّم في المقابل خدمات مميزة للزبائن، بدءاً بنقل المباراة على شاشتي عرض ضخمتين، وأكثر من عشر شاشات صغيرة، حتى يتمكن جميع الروّاد من المشاهدة بوضوح، كما يتم تعليق أعلام المنتخبات في كل أرجاء القاعة، ووضع موسيقى قبل بدء المباراة، لخلق أجواء رياضية حماسية، وكذلك رفع صوت نشيد المنتخب الذي يسجل هدفاً، مع زمامير تطلق تشجيعاً، وغيرها من الأفكار التي ستتطوّر في المرحلة الثانية عندما نصل إلى مباريات الأدوار الإقصائية.
ويضيف: "الحجوزات كثيرة، الاتصالات لا تهدأ، ونحن نطلب من الزبائن الحجز قبل أقلّه يومين من موعد المباراة التي يرغبون في مشاهدتها لأن الأماكن تمتلئ بسرعة".
في هذا الإطار، يوضح نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي خالد نزهة لـ"العربي الجديد" أن الرسوم على المطاعم من الشركات الناقلة للحدث تبدأ بـ3 آلاف دولار أميركي للمقاهي والمطاعم الصغيرة أي مثلاً التي تتسع لـ40 و50 كرسيّا، وتتجه صعوداً بما يزيد عن 15 و20 ألف دولار حسب القدرة الاستيعابية لكل مطعم.
مسؤول في أحد المطاعم لـ"العربي الجديد": المؤسسات السياحية تتكبّد مصاريف وأعباء مالية كبيرة لنقل مباريات كأس العالم
ويشير نزهة إلى أن هذه المبالغ كبيرة على أصحاب المؤسسات الذين يتكلفون في المقابل مصاريف عالية أيضاً على صعيد تأمين المازوت والمياه والغاز وغيرها من الأعباء المالية التي تحتّم عليهم فرض رسم دخول أو ما يعرف بـ"إكسترا تشارج" أو "مينيموم تشارج"، لافتاً إلى أن هذه الرسوم تختلف تبعاً لكل مطعم وقدرته الاستيعابية، وكل مطعم ملزم بتصديق أسعاره عند وزارة السياحة.
ويعتبر أن هذا الحدث عالمي والناس تنتظره من فترة لأخرى، وله نكهة خاصة عند اللبنانيين ومختلف الأعمار والثقافات، والمؤسسات السياحية تعوّل عليه كثيراً وتضع ثقلها لتأمين أجواء تشجيعية، لاستقطاب الناس، لكنه في المقابل، كان يأمل لو أن الدولة تمكنت من تأمين الاتفاق والسيولة المطلوبة لنقل المباريات عبر تلفزيون لبنان مجاناً، حتى يستطيع الناس والعائلات المشاهدة من المنزل خصوصاً لمن لا يملك القدرة المالية على أن يقصد المطاعم.
وينظر نزهة بتفاؤل إلى ارتدادات المونديال الإيجابية لتنشيط القطاع، خصوصاً أنه موصول مع الأعياد التي تعوّل المطاعم والمؤسسات السياحية عليها وقد بدأنا نسمع من المعنيين ومكاتب السفر أن حركة الطائرات مكثفة إلى لبنان الشهر المقبل، والحجوزات كبيرة، وهذا أمر جيد جداً.
ويواجه اللبنانيون صعوبة في مشاهدة مباريات المونديال غير المنقولة عبر الشاشة الصغيرة، بعد عدم تمكن الدولة اللبنانية من إنجاز الاتفاق مع الجهات المعنية لحصول على حق النقل المجاني عبر شاشة تلفزيون لبنان، في ظل عدم توفر السيولة المطلوبة، في حين أن كلفة الاشتراك المنزلي تتخطى الثمانين دولارا، وما يجعل المواطن متردداً اكثر في دفع هذا المبلغ هو المشكلة المقابلة المتمثلة بأزمة الكهرباء والتقنين المعتمد من قبل أصحاب المولدات الخاصة، ما قد يعيق مشاهدتهم.