تسارعت الخطوات الحكومية في الأردن، لإصدار قانون جديد لضريبة الدخل، وسط تأكيدات رسمية بأنه يستهدف تغليظ العقوبات بحق المتهربين ورفع كفاءة التحصيل، غير أن برلمانيين أشاروا إلى أن التعديلات المرتقبة تتضمن خفض الإعفاءات ما يخضغ أغلب المواطنين للضريبة، وما يزيد الأعباء المعيشية في الدولة، التي تشهد ارتفاعاً في معدلات التضخم والفقر.
وقال مسؤول حكومي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة ستبدأ في تنفيذ خطة إعلامية شاملة للترويج للقانون الجديد، وحتى قبل إعلانه رسمياً وإقراره من قبل مجلس الوزراء، وذلك في محاولة لتخفيف حدة الاعتراضات الشعبية عليه.
وأعلن عمر ملحس، وزير المالية، يوم الأربعاء الماضي، أن الوزارة ستعرض مسودة مشروع قانون ضريبة الدخل على مجلس السياسات الاقتصادية، يوم الأحد، ومن ثم على مجلس الوزراء، مشيرا إلى أن نصف التعديلات على القانون تتعلق بالتحصيل ومحاربة التهرب الضريبي..
وأثارت الخطوات الحكومية قلق الكثيرين في مختلف القطاعات الوظيفية، الذين يتخوفون من أن يقعوا تحت طائلة الاقتطاعات الضريبية، ما دعا برلمانيين إلى التلويح بعرقلة قانون الضرائب الجديد حال عرضه على البرلمان.
وقال خالد الفناطسة، رئيس لجنة العمل في مجلس النواب (البرلمان) في حديث لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تتجه لفرض ضريبة على الدخل ابتداء من 2100 دولار شهرياً على الأفراد وتخفيض سقف الإعفاء الضريبي بشكل كبير.
وأضاف الفناطسة أنه سيتم تشكيل قوى داخل المجلس لرفض التعديلات الحكومية المقترحة، وذلك للمحافظة على المستويات المعيشية للمواطنين وعدم تحميلهم مزيداً من الأعباء وضمان عدم تلاشي الطبقة الوسطى بشكل أكبر.
وتابع: "يجب أن تراعي الحكومة وهي تعدل قانون الضريبة، الأوضاع المعيشية للمواطنين وتآكل دخولهم، وألا يتم رفع ضريبة الدخل عليهم وإخضاع رواتبهم للاقتطاعات".
ووفقا لبيانات رسمية فقد ارتفع معدل الفقر في الأردن من 14% عام 2010 إلى 20% العام الماضي، ويتوقع مواصلته الارتفاع خلال السنوات المقبلة.
وقال خيرو صعيليك، رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، إن "الحكومة أعلنت عدة مرات أن تعديلها لقانون الضريبة يستهدف زيادة كفاءة التحصيل وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب، ولكن من المستغرب أن يعود الحديث مجدداً عن تخفيض سقف الإعفاءات الممنوحة للأفراد والعائلات".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن تخفيض الإعفاءات يعني إخضاع غالبية المواطنين للضريبة، وبالتالي زيادة معدلات الفقر وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين، خاصة مع الزيادة التي تمت على الأسعار مؤخراً بفعل إلغاء الدعم عن سلع أساسية مثل الخبز وكذلك رفع ضريبة المبيعات على عدد كبير من السلع، مشيرا إلى أن مجلس النواب سيخضع القانون لدراسة معمقة وسيرفض زيادة الأعباء المالية على المواطنين.
وقال النائب علي الحجاحجة، إن "دخول المواطنين، وخاصة الموظفين والعاملين في القطاع الخاص لا تلبي سوى الحد الأدنى من احتياجاتهم فكيف إذا ما أخضعوا لضريبة الدخل"؟، مضيفا أن "السياسات الحكومية جبائية وباتت تعتمد على جيوب المواطنين ولا تقوم على أساس تنمية الاستثمار وزيادته بالشكل الصحيح".
لكن موسى الطراونة، مدير الإعلام والاتصال في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، قال في تصريحات صحفية مؤخرا، إن مشروع القانون يرتكز على محاربة التهرب الضريبي ورفع كفاءة التحصيل وتعزيز الالتزام الطوعي للمكلفين بتقديم إقراراتهم الضريبية ومتابعتها، مضيفا أن التعديلات لن تمس الشريحة الكبرى من الموظفين في القطاعين العام والخاص.
وكان مسؤول أردني، أشار في تصريح لـ"العربي الجديد" نهاية إبريل/ نيسان الماضي، إلى ممارسة صندوق النقد الدولي ضغوطاً من أجل إصدار قانون ضريبة الدخل الجديد.
وقال المسؤول إن "صندوق النقد غير راضٍ بشكل كبير عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال العام الحالي، لخفض العجز المالي، واعتبر أنها غير كافية لضبط الدين العام ووضع المالية العامة في مسارها الصحيح".
وفي هذه الأثناء، خرجت دراسات محلية، تشير إلى انخفاض العائدات من ضريبة الدخل. ووصف منتدى الاستراتيجيات الأردني، نسبة المساهمة لقطاع المهنيين والحرفيين والشركات المتوسطة والصغيرة في الإيرادات الضريبية بالمتواضعة.
وقال المنتدى في دراسة له قبل أيام، إن "ما يدفعه هذا القطاع من ضرائب لا يشكل سوى0.27% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة منخفضة جدا مقارنة بالقطاعات الأخرى ولا تعكس الحجم الحقيقي لهذه النشاطات".
وبحسب الدراسة فإنه إذا ما تمت زيادة نسبة الإيرادات الضريبية التي يتم تحصيلها من هذه الفئة إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي عن المستوى الحالي أسوة بهذه النسب في دول العالم، فإن هذا سيؤدي إلى أن تحصل الخزينة ما يعادل حوالي 1.1 مليار دولار سنوياً.
وتتجه الحكومة في مشروع القانون الجديد إلى خفض سقف إعفاءات ضريبة الدخل، ليتم فرض الضريبة على الأفراد الذين يبلغ دخلهم السنوي 8.4 آلاف دولار، بدلاً من 16.9 ألف دولار في السابق، ونحو 16.9 ألف دولار للعائلة بدلاً من 33.8 ألف دولار.
كذلك تدرس الحكومة إخضاع قطاعات جديدة للضريبة، مثل المكاتب الهندسية والعيادات الطبية وغيرها، لزيادة الإيرادات، فيما تخضع مختلف القطاعات الاقتصادية لضريبة الدخل بنسب متفاوتة أعلاها على البنوك والشركات المالية، بنسبة تبلغ 35%.
وأعلنت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، يوم السبت الماضي، أن نحو 132 ألف شركة مسجلة رسمياً ومزاولة لنشاطاتها "تمارس نوعاً من التهرب الضريبي، إذ لا تورد سوى 60 مليون دينار (84.7 مليون دولار) ضريبة دخل عن نشاطاتها لكل سنة".
وتوافقت نتائج هذه الدراسة مع دراسة منتدى الاستراتيجيات، التي ذكرت أن مجموع الإيرادات الضريبية من حوالي 150 ألف من المهنيين والشركات الصغيرة والمتوسطة، بلغ حوالي 110 ملايين دولار عام 2016، "وهو رقم متواضع جدا" .
لكن حسام عايش، الخبير الاقتصادي، قال لـ"العربي الجديد" إن "الطبقة الوسطى تتآكل بشكل كبير، فكانت تشكل 41% من إجمالي السكان عام 2008، وأصبحت تمثل نحو 28%"، مضيفا أن "خطّ الفقر في الأردن محدد بحوالي 1146 دولارا شهرياً، والأسرة التي تُنفق ضعف ذلك المبلغ تعتبر من الطبقة الوسطى الدنيا، ومن ينفق أربعة أضعافه ينتمي للطبقة الوسطى ومن ينفق ستة أضعاف ينتمي إلى الطبقة الوسطى العليا حسب المعايير العالمية".