أدى زلزال استفتاء بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى ما يشبه "تسونامي" في المشهد السياسي الداخلي. "تسونامي" اجتاح الأحزاب السياسية الكبرى، وضاعف ارتباك الرأي العام حول حقيقة تداعيات الانفصال على مستقبل البلاد. فمن جهة يمرّ حزب "المحافظين" بمرحلة انتقالية، بعد استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، يوم الجمعة الماضية، وفي الوقت عينه، يشهد حزب "العمال" المعارض، انتفاضة معلنة ضد زعيمه، جيريمي كوربين، وبينهما تعلن زعيمة الحزب "القومي الاسكتلندي"، نيكولا ستورجن، الاستعداد لتنظيم استفتاء جديد من أجل الانفصال عن بريطانيا، والانضمام للاتحاد الأوروبي.
لدى "المحافظين" بدأ الطامحون لقيادة الحزب بتسجيل أسمائهم في قائمة الترشيحات التي فُتحت، يوم الثلاثاء، وتُغلق نهاية اليوم الخميس. وكانت اللجنة التنفيذية للحزب، المعروفة باسم لجنة "1922" أعلنت أن تعيين خلف لكاميرون سيجري بحلول التاسع من سبتمبر/أيلول المقبل. وسيواجه الزعيم المقبل قضايا معقّدة، أبرزها تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة لمباشرة إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، والعمل على صياغة مستقبل علاقة بريطانيا بأوروبا، وبناء اتفاقيات تجارية دولية جديدة، ومعالجة ملف المهاجرين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، وهي القضية التي شكّلت نقطة رئيسية ضمن حملة الخروج.
أول المرشحين رسمياً لخلافة كاميرون في زعامة الحزب، ورئاسة الوزراء، كان وزير العمل والتقاعد البريطاني في الحكومة الحالية، ستيفن كراب، الذي أعلن ترشحه في رسالة على البريد الإلكتروني، وجّهها لنواب الحزب. ونقلت الصحيفة أن "كراب تلقى دعم النواب ماريا كولفيلد، وسيمون هوار، وكريغ ويليامز". كما يقف وزير الأعمال في الحكومة الحالية، ساجد جافيد، إلى جانب كراب. مع العلم أن كراب أيد معسكر "البقاء" في الاتحاد الأوروبي.
أما في برنامج رئاسته للحزب، فقال كراب، إن "استعادة السيطرة على سياسة الهجرة ستكون على رأس أولوياته"، مؤكداً في مقال بصحيفة "ديلي تلغراف"، أن "لا تراجع عن نتيجة الاستفتاء، فحكم الشعب على الاتحاد الأوروبي كان واضحاً، ولن تكون هناك رجعة فيه. وإن إجراء استفتاء ثانٍ لإعادة النظر في المسألة أمر غير مطروح للمناقشة. أريد أن أقود حكومة تفي بتوقعات 17 مليون شخص أيدوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وعلى الرغم أن الأسماء في قائمة المرشحين للتنافس على زعامة "المحافظين"، وبالتالي رئاسة الحكومة، قد تصل إلى 10 أسماء، إلا أن المنافسة الأقوى ستكون بين عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، الذي تزعّم حملات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء، ووزيرة الداخلية، تيريزا ماي، المدعومة من معارضي جونسون.
وتكشف صحيفة "ذا غارديان"، أن "كلاً من جونسون وماي يحظيان بتأييد قرابة مائة من نواب الحزب في مجلس العموم، رغم أن قلة من هؤلاء أعلنوا صراحة عن موقفهم من كلا المرشحين". وفي الوقت الذي يدعم تيار داخل الحزب، يعرف باسم "أوقفوا بوريس"، ماي، كخيار قوي وقادر على توحيد صفوف الحزب، يواجه جونسون تياراً آخر داخل الحزب، يُعرف باسم "أي شخص إلا جونسون". وهو تيار يضم الكثير من النواب والقيادات غير المتحمسين للمرشحة ماي، ولكنهم يفضلون أي مرشح آخر على بوريس جونسون.
في المقابل، يرى داعمو جونسون، أنه الأجدر لقيادة الحزب والبلاد خلال مرحلة مفاوضات الانفصال. كما يؤمن مؤيدوه بقدراته السياسية وخبراته الإدارية بعد النجاحات الكثيرة التي سجلها خلال السنوات الثماني التي شغل فيها منصب عمدة لندن.
وإلى جانب جونسون وماي وكراب، يُتوقع أن ينضم لقائمة المرشحين لزعامة حزب "المحافظين"، وزيرة التعليم، نيكي مورغان، التي سبق أن اعترفت في العام 2015، بأنها تفكر في الترشح للقيادة بعد رحيل كاميرون. كما أن وزير الصحة الحالي، جيريمي هنت، ووزير الدفاع السابق، ليام فوكس، الذي نافس كاميرون على زعامة "المحافظين" في العام 2005، ووزيرة الطاقة، أندريا ليدسم، من المرشحين أيضاً.
مع العلم أن على كل مرشح الحصول على تأييد 110 نواب من أصل 330 نائباً من نواب الحزب في مجلس العموم. وستجتمع لجنة "1922" الحزبية يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع لتقليص قائمة المرشحين، حتى يوم 9 سبتمبر المقبل موعد طرح اسمي المرشحين، اللذين يكونان قد حصلا على العدد الأعلى من الأصوات النيابية، على أعضاء الحزب الـ125 ألفاً لاختيار الزعيم الجديد لـ"المحافظين"، ولرئاسة الحكومة.
وبدأت أزمة كوربين بعد إقالته ليلة الأحد الماضي وزير خارجيته في حكومة الظل، هيلاري بن، وسط خلاف حول قيادته في أعقاب تصويت بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي. وصباح اليوم التالي استقالت وزيرة الصحة في حكومة الظل، هايدي ألكسندر، احتجاجاً على قيادة كوربين وقرار إقالة بن.
وتوالت الاستقالات بعد ذلك، إثر استقالة 20 من أعضاء حكومة الظل التي يرأسها كوربين، واستقالة 31 من كبار المسؤولين في حكومة الظلّ والمناصب البرلمانية والحزبية. وسبق حملة الاستقالات، تقديم نائبتين من الحزب مذكرة بحجب الثقة عن كوربين، في خطوة تعكس غضب العديد من البرلمانيين الذين يتهمون زعيم "العمال" بعدم بذل جهود كافية في الحملة من أجل بقاء البلاد في صفوف الاتحاد الأوروبي.
وقالت النائبتان مارغريت هودج، وآن كوفي، إن "الاقتراح بحجب الثقة عن زعيم الحزب، جاء بسبب سوء أدائه خلال حملات الاستفتاء، وفشله في إقناع ناخبي الحزب من العمال، الذين صوّت أكثر من ثلثهم، نحو 37 في المائة منهم مع الخروج، مخالفين بذلك خط الحزب، وعدم كفاءته لقيادة المرحلة المقبلة".
ويُشكك مراقبون في "نزاهة" هذه المزاعم، ويُرجّحون انتهاز تيار رئيس الوزراء الأسبق، الزعيم العمالي توني بلير، المعارض بشدة لزعامة كوربين، تذمّر بعض النواب من أداء كوربين خلال الاستفتاء، للانقلاب عليه وعلى تياره اليساري، الذي انتزع قيادة الحزب في سبتمبر الماضي، من التيار "البليري" الوسطي.
كما تظهر النائبة أنجيلا إيغل، الأكثر حماسة للترشح مقابل كوربين، إذ بدأت حشد مؤيديها من نواب الحزب، للإعلان رسمياً عن ترشيح نفسها، سواء استقال كوربين أم لا. ويبدو أيضاً توم واتسون، ووزير العمل والتقاعد في حكومة الظل، أوين سميث من المرشحين للمنافسة على زعامة الحزب.
وبعيداً عن "الفراغ السياسي" الذي يعيشه "المحافظون"، و"الفوضى" التي تعصف بحزب "العمال"، اختارت زعيمة الحزب "القومي" الاسكتلندي، رئيسة حكومة اسكتلندا، نيكولا ستورجن التحليق خارج الجزيرة البريطانية. ووصلت إلى بروكسل "مصممة كلياً" على حماية علاقة اسكتلندا مع أوروبا، وفقاً لتعبيرها.
وأضافت ستورجن غداة وصولها لبروكسل، أمس الأربعاء، أن "بلادها عازمة على البقاء في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من تصويت البريطانيين الأسبوع الماضي لصالح الخروج منه". وعقب لقائها رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، شدّدت على أن "اسكتلندا عازمة على البقاء في الاتحاد الأوروبي". وتأتي زيارة ستورجن إلى بروكسل بعد أيام من مناقشة البرلمان الاسكتلندي لنتائج خروج بريطانيا، ودعوته رئيسة الوزراء لبدء محادثات فورية مع بروكسل لحماية مكانة اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي.