09 نوفمبر 2024
داعش وازدواج المعايير
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
يسجل اليمن وسورية وليبيا نسبة قياسية في عدد المؤتمرات التي انعقدت خلال هذا العام، من أجل البحث عن حلول وتسويات للحروب الأهلية، ومخارج من الأزمات والانقسامات، وتتبنى الأمم المتحدة المساعي الحميدة بتأييد ورعاية دولية، لكن النتائج التي تحققت، حتى الآن، لا تزال متواضعة جداً بالقياس إلى الجهود المبذولة، وتختلف الأسباب من بلد إلى آخر في عدم حصول تقدم ملموس، لكنها، على العموم، تنحصر في عاملين أساسيين. الأول ازدواج المعايير، أو ضعف قوة الدفع الدولية المساعدة على جمع الأطراف المتصارعة حول القواسم المشتركة. والثاني ثقل التدخلات الإقليمية والدولية إلى جانب بعض أطراف النزاع.
تقع ليبيا في نطاق الحالة الأولى، وعلى الرغم من أن الثورة الليبية حظيت باهتمام دولي، على عكس باقي ثورات الربيع العربي، واستدعت تدخلاً عسكرياً من الحلف الأطلسي قاد عملية إسقاط نظام معمر القذافي، فإنها فقدت هذا الزخم بسرعة شديدة، وبدلاً من أن تواصل الأطراف الدولية رعاية الحالة الجديدة، ومساعدة القوى المحلية على إنجاز مرحلة الانتقال الديمقراطي بسلام، فإنها عمّقت الاختلافات المحلية، وتركتها تتطور إلى خلافات عميقة، سرعان ما ذهبت إلى حرب أهلية بين الشرق والغرب، وصارت تتعقد يوماً بعد آخر، بسبب اختلاط الأوراق، على نحو لا يمكن التحكم به بسهولة، ولم تحصل محاولاتٌ دولية جديدة، إلا بعد دخول داعش على الخط، وتحولها إلى عامل ضاغط، كون خطرها بات يهدد أوروبا بالقدر الذي يؤثر فيه على السلم الأهلي والإقليمي، حيث إن خطر التنظيم الإرهابي الذي بات يكثف حضوره في ليبيا، مستفيداً من الفوضى، تمدّد إلى تونس ومصر والجزائر ومالي وحتى نيجيريا وتشاد. وللأسف، فإن شرط الحل حتى الآن هو أن يلبي حاجة التدخل الدولي.
أما بالنسبة إلى سورية واليمن، فإن الأوضاع باتت أكثر تعقيداً من ليبيا، بسبب العامليْن، الإيراني والروسي. وبالمقارنة بين سورية واليمن، تبدو المسافة إلى الحل اليمني أقرب منها إليه في سورية، نظرا لحجم الاستثمار الإيراني الروسي في سورية من جهة، ومن جهة أخرى، تشكل الخسائر الميدانية لحلفاء إيران في اليمن سبباً في دفعهم للبحث عن حل وسط في هذه الفترة، لا سيما أن مشروعهم السياسي يلقى معارضة محلية وإقليمية، تقودها دول الخليج، من خلال التدخل العسكري بقيادة السعودية.
وبقدر ما يبدو الأفق مفتوحاً أمام المشهد اليمني، يزداد الوضع السوري تعقيداً، بسبب التدخل الروسي، وعلى الرغم من أن داعش شكلت مدخلاً لتحريك الوضع الليبي، فإن مواجهة داعش في سورية لم تولد الضغط الدولي نفسه، واستمر الروس، منذ تدخلهم العسكري المباشر في سورية نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، في توجيه 90 في المائة من مجهودهم الحربي ضد الثورة السورية وحاضنتها الاجتماعية، وهم يعملون على تمكين النظام من استعادة المناطق التي خسرها وحازتها المعارضة المعتدلة، وليس التي يسيطر عليها داعش، والهدف من ذلك إضعاف الخصوم الفعليين لنظام الأسد الذين يتمسكون بمرجعية جنيف 1 التي تقوم على رحيل الأسد ونظامه.
بات السوريون على قناعة تامة بأن هم الروس ليس مواجهة داعش، بل إعادة إنتاج نظام الأسد، ولا يبدو أمامهم سوى خيار المقاومة. وهي، في هذه الحالة، حتى الرمق الأخير وباللحم الحي، ولا تقتصر على من يحملون السلاح، ويوجدون على خطوط القتال، بل باتت تعني كل مدني سوري يقف خارج دائرتي داعش والنظام، والروس ينفذون، هنا، حرب إبادة تتجاوز سياسية الأرض المحروقة التي اتبعوها في غروزني، وقامت على مبدأ "ما لا يُحل بالقوة، يُحل بالمزيد من القوة". يتصرف الروس وكأن السوريين حيوانات في غابةٍ، وهم ذاهبون في حفلة صيد، وكل الطرقات مسدودة.
تقع ليبيا في نطاق الحالة الأولى، وعلى الرغم من أن الثورة الليبية حظيت باهتمام دولي، على عكس باقي ثورات الربيع العربي، واستدعت تدخلاً عسكرياً من الحلف الأطلسي قاد عملية إسقاط نظام معمر القذافي، فإنها فقدت هذا الزخم بسرعة شديدة، وبدلاً من أن تواصل الأطراف الدولية رعاية الحالة الجديدة، ومساعدة القوى المحلية على إنجاز مرحلة الانتقال الديمقراطي بسلام، فإنها عمّقت الاختلافات المحلية، وتركتها تتطور إلى خلافات عميقة، سرعان ما ذهبت إلى حرب أهلية بين الشرق والغرب، وصارت تتعقد يوماً بعد آخر، بسبب اختلاط الأوراق، على نحو لا يمكن التحكم به بسهولة، ولم تحصل محاولاتٌ دولية جديدة، إلا بعد دخول داعش على الخط، وتحولها إلى عامل ضاغط، كون خطرها بات يهدد أوروبا بالقدر الذي يؤثر فيه على السلم الأهلي والإقليمي، حيث إن خطر التنظيم الإرهابي الذي بات يكثف حضوره في ليبيا، مستفيداً من الفوضى، تمدّد إلى تونس ومصر والجزائر ومالي وحتى نيجيريا وتشاد. وللأسف، فإن شرط الحل حتى الآن هو أن يلبي حاجة التدخل الدولي.
أما بالنسبة إلى سورية واليمن، فإن الأوضاع باتت أكثر تعقيداً من ليبيا، بسبب العامليْن، الإيراني والروسي. وبالمقارنة بين سورية واليمن، تبدو المسافة إلى الحل اليمني أقرب منها إليه في سورية، نظرا لحجم الاستثمار الإيراني الروسي في سورية من جهة، ومن جهة أخرى، تشكل الخسائر الميدانية لحلفاء إيران في اليمن سبباً في دفعهم للبحث عن حل وسط في هذه الفترة، لا سيما أن مشروعهم السياسي يلقى معارضة محلية وإقليمية، تقودها دول الخليج، من خلال التدخل العسكري بقيادة السعودية.
وبقدر ما يبدو الأفق مفتوحاً أمام المشهد اليمني، يزداد الوضع السوري تعقيداً، بسبب التدخل الروسي، وعلى الرغم من أن داعش شكلت مدخلاً لتحريك الوضع الليبي، فإن مواجهة داعش في سورية لم تولد الضغط الدولي نفسه، واستمر الروس، منذ تدخلهم العسكري المباشر في سورية نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، في توجيه 90 في المائة من مجهودهم الحربي ضد الثورة السورية وحاضنتها الاجتماعية، وهم يعملون على تمكين النظام من استعادة المناطق التي خسرها وحازتها المعارضة المعتدلة، وليس التي يسيطر عليها داعش، والهدف من ذلك إضعاف الخصوم الفعليين لنظام الأسد الذين يتمسكون بمرجعية جنيف 1 التي تقوم على رحيل الأسد ونظامه.
بات السوريون على قناعة تامة بأن هم الروس ليس مواجهة داعش، بل إعادة إنتاج نظام الأسد، ولا يبدو أمامهم سوى خيار المقاومة. وهي، في هذه الحالة، حتى الرمق الأخير وباللحم الحي، ولا تقتصر على من يحملون السلاح، ويوجدون على خطوط القتال، بل باتت تعني كل مدني سوري يقف خارج دائرتي داعش والنظام، والروس ينفذون، هنا، حرب إبادة تتجاوز سياسية الأرض المحروقة التي اتبعوها في غروزني، وقامت على مبدأ "ما لا يُحل بالقوة، يُحل بالمزيد من القوة". يتصرف الروس وكأن السوريين حيوانات في غابةٍ، وهم ذاهبون في حفلة صيد، وكل الطرقات مسدودة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024