اختبار وقف إطلاق النار بين الجيش و"الدعم السريع" في السودان: فرص الصمود واحتمالات الفشل
يمثل غياب عامل الثقة أبرز تحدٍ يواجه اتفاق إطلاق النار بالسودان الذي جرى التوصل إليه، أمس السبت، في مدينة جدة السعودية، والذي يعد الثاني من نوعه ويمتد لسبعة أيام، ويدخل حيز التنفيذ اعتباراً من مساء غد الاثنين، في ظل تساؤلات إن كان سينجح في وضع حدّ للاشتباكات المندلعة بين طرفي القتال، الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وقالت الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، في بيان مشترك، إن الجيش وقوات الدعم السريع اتفقا على إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية. كما اتفق الطرفان على تسهيل المرور الآمن لمقدمي المساعدات الإنسانية، مما يسمح بتدفق المساعدات دون عوائق من موانئ الدخول إلى السكان المحتاجين.
ويمثل غياب الثقة بين الطرفين واحداً من أهم الاختبارات التي ستواجه اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم تحديات اتفاق وقف إطلاق النار الموقع أمس في جدة هو التزام متمردي قوات الدعم السريع بما جاء في الاتفاق"، معلناً التزام الجيش بنص الاتفاق.
وأوضح عبد الله، في بيان، أن الموافقة على الاتفاق من قبل الجيش "جاءت تقديراً لجهود الوساطة السعودية والأميركية، وتخفيفاً على المواطنين من تداعيات التمرد المشؤوم، وتسهيلاً للنواحي الإنسانية والحياتية لهم".
وأشار إلى أن "الاتفاق ينحصر على الجوانب العسكرية والفنية الخاصة بترتيبات وقف إطلاق النار المؤقت، وإجراءات حرية تنقل المدنيين، وحمايتهم من العنف والانتهاكات التي ظلت تمارسها بحقهم المليشيا المتمردة منذ بداية اندلاع التمرد، بجانب إخلاء المستشفيات، وصيانة مرافق الخدمات والموضوعات ذات الصلة، دون التطرق لمناقشة أي أوضاع سياسية".
الأمر ذاته ذهب إليه مصدر بقوات الدعم السريع، حيث أكد لـ"العربي الجديد" أن "المعضلة ستكون في التزام الجيش بالاتفاق".
قابلية للصمود
ويرى الصحافي محمد طاهر عيسابي أن حالة الإرهاق التي أصابت كلاً من الجيش وقوات الدعم السريع جراء المعارك والاشتباكات لأكثر من شهر "كفيلة بإلزامهما بوقف إطلاق النار"، وبالتالي يكون لاتفاق جدة، حسب تقديره، "قابلية للصمود".
وحذر عيسابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من "انتهاز فرصة التوقف عن إطلاق النار من أي من الطرفين لصالح تعزيز المواقف الميدانية"، مشدداً على أن "الرغبة الحقيقية لكل طرف حتى الآن هي إنزال الهزيمة بالآخر".
وأضاف عيسابي "الرقابة السعودية الأميركية وقدرة الرياض وواشنطن على الضغط على الطرفين سيكون لها أثر مختلف هذه المرة"، مستبعداً فرضية عمل أطراف أخرى خارج المعادلة العسكرية على إفشال اتفاق جدة أو أي اتفاق لاحق، "ذلك أن الأطراف السياسية تحديداً تجد مصلحتها الأساسية والجوهرية في وقف الحرب"، على حد تعبيره.
طرفان منهكان
أما أستاذ العلوم السياسية منزول عسل، فيرى أن اتفاق جدة رغم قصر مدته قد يقود لاتفاق آخر أطول مدة، معرباً في تصريح لـ"العربي الجديد" عن تفاؤله بنجاح الاتفاق. وعزا ذلك لكون "الجيش والدعم السريع منهكان تماماً، وكل يوم يمر تترسخ لديهما القناعة بأن الحرب لا يمكن أن تحسم كل شيء، فلا الجيش قادر على السيطرة، ولا الدعم السريع قادر على هزيمة الجيش، ولا بد لهما في نهاية المطاف من الجلوس على طاولة التفاوض للوصول لاتفاق".
وتابع قائلاً: "وقف إطلاق النار قصير المدى هذا قد لا ينجح بنسبة مائة بالمائة، لكن بات من شبه المؤكد سيكون هناك وقف إطلاق نار أطول في الاتفاق المقبل".
وعلى عكس تفاؤل عسل، ينظر الخبير الأمني اللواء متقاعد خالد عبيد الله بتشاؤم لمآلات اتفاق جدة، معتبراً عدم وجود فرصة لنجاحه. وقال عبيد الله لـ"العربي الجديد" إنه "من المتعذر على كلا الطرفين الالتزام به، لأنه وليد ضغوط دولية وإقليمية، وسيتحول في نهاية المطاف لغرض واحد فقط هو إعادة ترتيب كل طرف أوراقه العسكرية والميدانية وتعزيزها، وإجلاء الجرحى ودفن القتلى وزيادة العدة والعتاد".
ورحبت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، في بيان، بالاتفاق الذي "بموجبه يتوقف القتال (لمدة أسبوع)، ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية، وتقديم الخدمات الأساسية لسكان البلاد". وشددت على ضرورة "انتهاج مسار الحل السياسي السلمي طريقاً أوحد"، وأعربت عن أملها أن يشكل الاتفاق "خطوة أخرى إلى الأمام في طريق الوقف الكلي لهذه الحرب اللعينة".
أبرز بنود الاتفاق
سبق للطرفين أن توصلا، تحت رعاية أميركية سعودية في الحادي عشر من الشهر الجاري، إلى أول اتفاق بينهما بمدينة جدة السعودية خاص بحماية المدنيين أثناء الحرب، ثم دخل الطرفان في مرحلة ثانية من التفاوض خاصة باتفاق وقف إطلاق نار قصير الأمد، يليه في المرحلة التالية اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، ثم الدخول في مفاوضات ترتيبات أمنية وعسكرية شاملة، منها دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، وإصلاح المؤسسة العسكرية. أما المرحلة النهائية طبقاً للوساطة، فتهم المفاوضات في المسائل السياسية، وهي المرحلة التي من المخطط أن تشارك فيها القوى السياسية المدنية.
ونص اتفاق، أمس السبت، على إنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار، مكونة من السعودية والولايات المتحدة و3 ممثلين عن كل طرف، وهو أمر افتقدته إعلانات الهدنة السابقة بين الطرفين، ما قلل من درجات التزامهما بها.
وألزم الاتفاق الجديد الطرفين، خلال فترة ما قبله دخوله حيز التنفيذ، بتوجيه قواتهما للامتثال لوقف إطلاق النار قصير الأمد في جميع أنحاء السودان. ويضمن الطرفان، بموجبه، حرية حركة المدنيين في جميع أنحاء البلاد وحمايتهم من العنف، أو المضايقة، أو التجنيد، أو أي انتهاكات أخرى. كما يضمنان التوقف والامتناع عن الأعمال المحظورة بموجب الاتفاق.
كما حظر اتفاق جدة استهداف البنية التحتية المدنية أو المراكز السكانية، وكذلك منع الحصول على أو تقوية الدفاعات، أو إعادة الإمداد، أو توزيع الأسلحة، أو الإمدادات العسكرية، بما في ذلك من مصادر أجنبية، وأي محاولات احتلال أو احتلال أراض أو مواقع جديدة، بما في ذلك البنية التحتية المدنية، أو المراكز السكانية، وتحريك القوات أو الأسلحة أو الموارد.
ومنع الاتفاق، تجنيد الجنود أو تسجيلهم أو حشدهم، والمضايقة والاعتداءات، وأخذ الرهائن، أو الاعتقالات غير القانونية للمدنيين، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني، ونهب أو مصادرة الممتلكات أو الموارد أو الإمدادات الإنسانية، وتقييد أو إعاقة حركة المدنيين، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني ومواد العون الإنساني.
وحظر اتفاق جدة التهديد باستخدام القوة، أو التحريض على العنف، وإعاقة أي رصد أو تحقق لوقف إطلاق النار قصير الأمد، وأيضاً أعمال التجسس جواً أو براً أو بحراً، واستخدام المدنيين دروعاً بشرية، أو احتلال المستشفيات ومرافق البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك منشآت المياه والكهرباء والوقود، أو احتلال مساكن المدنيين، واستخدام وسائل النقل الطبي، مثل سيارات الإسعاف، لأغراض عسكرية، والإخفاء القسري، أو الاحتجاز التعسفي للأشخاص، والنهب والسلب والتخريب، واستخدام الدعاية أو التحريض ضد أي من الطرفين، أو استخدام أي مجموعات قبلية أو عرقية.
وحول الترتيبات الإنسانية، تمسك الطرفان بالتزامات ومبادئ إعلان جدة في جميع تصرفاتهما. كما نص على تهيئة الظروف المواتية لتقديم الإغاثة الطارئة، وتوفير ضمانات أمنية لوصول الوكالات الإنسانية بأمان ودون عوائق، على أن يعمل الطرفان على تأمين وتوفير المرور الحر والوصول إلى الطرق دون عوائق على طول الممرات أو المسارات المحددة لإيصال المساعدات الإنسانية، في الوقت ذاته يلتزم الطرفان بضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية بحرية وبصفة عاجلة ودون عوائق، بما في ذلك الوصول إلى المرافق ذات الصلة لإصلاح البنية التحتية والخدمات المدنية الأساسية، وعدم إعاقة تدفق المساعدات الإنسانية من داخل السودان، أو عبر الحدود للسكان المتضررين.
ويلتزم الطرفان كذلك بضمان سلامة وحماية العاملين في المجال الإنساني ومعداتهم وممتلكاتهم، والتعهد بحماية وتأمين المساعدات الإنسانية من النهب والسرقة والفساد والتخريب. كما نص اتفاق جدة على أن يزود الطرفان اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمعلومات ذات الصلة بشأن جميع المحتجزين والأسرى الذين اعتقلوا أو احتجزوا نتيجة للنزاع، وتمكينها من القيام بأعمالها.