بينما يستمرّ المسعى العربي والدولي تجاه المسؤولين اللبنانيين للدفع باتجاه تشكيل حكومة اختصاصيين تقود من خلال برنامجها الإصلاحي البلاد إلى النهوض اقتصادياً ومالياً، يبدو أن العراقيل يصعب على أي جهة خارجية فكّها حتى الساعة في ظلّ الأجواء المشحونة داخلياً، والتي تتفاقم حدّيتها بدل التهدئة المنتظرة.
وظهرت أخيراً مؤشرات توحي بأن لا ولادة قريبة للحكومة برئاسة سعد الحريري، ولا خروج من النفق المظلم في الوقت الحاضر، أبرزها، استياء كبير لدى "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية) و"حزب الله" من إقصائهما واستثنائهما عن الجولة التي قام بها أمس وزير خارجية مصر سامح شكري.
وشملت جولة شكري العدد الأكبر من الأحزاب السياسية، بما فيها "تيار المردة" حليف "حزب الله"، ويرجح أن يشمل الاستياء الزيارة التي يقوم بها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، اليوم الخميس، وغداً الجمعة، التي حتى الساعة لا يتضمن برنامجها لقاء مع باسيل أو ممثلين عن "حزب الله".
ويرى "التيار" و"حزب الله" في هذه الخطوة، عرقلة بعيدة جداً عن نوايا الحلحلة التي يصرح عنها الوافدون من الخارج، واكتفى مصدر قيادي في "حزب الله" بالتعليق لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "الجولة كانت ناقصة، وغيّبت فريقين وازنين سياسياً ونيابياً وشعبياً، وكانت ميّالة بشكل فاضح لطرفٍ دون آخر"، مضيفا شريطة عدم ذكر اسمه أن "كتلة الحزب النيابية ستجتمع وسيكون لها موقف شامل".
وخرج الرئيس اللبناني، ميشال عون، بالأمس مهاجماً حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، والمصارف والسياسيين موزعاً مسؤوليات الانهيار المالي وعرقلة عمل التدقيق الجنائي في رسالةٍ أتت بالتزامن مع تهديد فرنسي بمحاسبة المعرقلين، وإلغاء زيارة باسيل إلى باريس، لتنضاف إلى استثنائه من جولة الوفد المصري أمس.
ولجأ عون إلى خطاب "الجنرال" الذي نال شعبيته منه، مستخدماً نبرة عالية ومباشرة وُضِعَت في خانة محاولة استعادة نبض الشارع الذي يحمّله جزءاً كبيراً من مسؤولية الانهيار والتعطيل، فكان أن تلته مواكب لمناصريه تؤيد معركته للسير بـ"التدقيق الجنائي".
وقال مصدر مطلع على التحركات الخارجية لـ"العربي الجديد" إن "عون قام أمس باستعراض شعبي لم يعد يمرّ على اللبنانيين فهم يحمّلونه الجزء الأكبر من المسؤولية في ما وصلت إليه البلاد من انهيار ويرون فيه المعرقل الأساس لأي مسعى فيه حلّ كرمى لعيون (لإرضاء) صهره باسيل".
وتابع المصدر قائلا" استغل (عون) ملف التدقيق الجنائي الذي هو مطلب لبناني دولي، في وقتٍ بدأ يتحسّس فيه انزعاجا كبيرا من التعطيل الذي يمارسه والنائب باسيل الذي يعيش عزلة شاملة، والذي يمكن أن يُترجم قريباً بتسمية الخارج وخصوصاً فرنسا المعرقلين الحقيقيين وهو ما سيشكل ضربة قوية لعهده وفريقه السياسي".
وكشف المصدر أن مبادرة رئيس البرلمان، نبيه بري، الحكومية تحوز على تأييد خارجي كبير سواء كان دولياً أو عربياً، وترى فيها الدول المتابعة للملف اللبناني طريقاً وحيداً في الفترة الراهنة للخروج من الأزمة ويجب السير بها وأي تبديد لها سيرتد سلباً، لا بل سيكون كارثياً على لبنان في المرحلة المقبلة.
من جهته، يرى النائب بلال عبدالله، عضو "اللقاء الديمقراطي" النيابي الذي كان لحزبه "التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، لقاء أمس مع وزير خارجية مصر أن "المواقف العالية لا تفيد التسوية، وعلى كل الأفرقاء أن تلتزم التهدئة وتخفف الشروط والسقوف في سبيل الخروج من الأزمة".
وأبدى النائب تشاؤماً بقرب الوصول إلى حلّ وولادة الحكومة بعد ما سماه "همروجة" (لغط) افتعلها الرئيس عون وتبعتها مواكب لمناصرين إلى قصر بعبدا الجمهوري مساءً، مشدداً على أنّ الحديث بهذه النبرة لا يفيد بل يشلّ الأمور أكثر.
ولفت عبدالله إلى أنّ التسوية التي دعا إليها أولاً جنبلاط ويعمل عليها اليوم بري، تتمثل بحكومة مؤلفة من 24 وزيراً على قاعدة 8 – 8 – 8 لا ثلث معطلا فيها وتعطي الأفضلية للاختصاصيين، لكن حتى الساعة لا إشارات إيجابية بعد من الفرقاء المعنيين في ملف تشكيل الحكومة أي عون والحريري.
وشدد بالقول "من هنا ضرورة أن يخفف الفريقان الشروط والشروط المضادة"، مشيراً إلى أن "ليونة تظهر عند الحريري لناحية توسيع حجم الحكومة باعتباره كان متمسكاً بحكومة من 18 وزيراً وهناك إشارات بالحد الأدنى إيجابية في هذا الاطار فقط لا غير".
وتتوزع حكومة 8 – 8 – 8، على رئيس الجمهورية بخمسة وزراء، واثنين لـ"حزب الطاشناق" وحزب الوزير السابق طلال أرسلان "الديمقراطي اللبناني" من جهة، و5 وزراء للحريري، وواحد لفريق جنبلاط، ووزيرين مستقلين، ربط واحد منهما بالبطريرك الماروني بشارة الراعي على أن يسمي وزير الداخلية بالتوافق مع عون والحريري وهنا تبقى العقدة الأبرز. أما باقي الثمانية وزراء فيتوزعون على "حركة أمل" برئاسة بري ثلاثة وزراء من ضمنها وزارة المالية، ووزيران لـ "حزب الله"، ووزيران لـ "تيار المردة" وآخر لـ "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، مع رفض مبدأ الدمج بين الوزارات.
بدوره، قال سليم الصايغ نائب رئيس "حزب الكتائب" (يرأسه سامي الجميل)، الذي شارك في لقاء وزير خارجية مصر، لـ"العربي الجديد"، "استخلصنا من زيارة الوزير المصري إشارات واضحة بتحميل مسؤولية عامة دولية وعربية لفشل لبنان وتعطيل دورة الحياة الديمقراطية بالبلد لحزب الله وأدواته في الداخل".
وأوضح أنه "تم التعبير عن هذا الموقف بالامتناع عن زيارة أو لقاء أو توجيه دعوة للقاء أي مسؤول من "التيار" أو الحزب وهو خير دليل على أن لا إرادة أبداً عند المجتمع الدولي كما العربي لتعويم المسؤولية وعدم إعطاء مكافأة لهؤلاء الذين يسيرون على مبدأ "عطّل تجد" ويعتمدون عليه لدفع الجهة المقابلة لهم بالتنازل".
وتابع قائلاً "من هنا يأتي الموقف الصارم العربي والدولي للذين باتوا على قناعة بأنه لا ينفع مع المعطلين إلا سياسة الضغط والتأنيب والعقوبات، واليوم هناك تثبيت لموقف عربي مشترك رافض لوضع يد حزب الله على لبنان".
من ناحية ثانية، يرى الصايغ في كلام الرئيس اللبناني أمس حرفاً عن القضية الأساسية، فـ "البلد يموت والمطلوب قبل أي شيء آخر تأليف حكومة بأسرع وقتٍ ممكن".
وبدأ الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية اليوم الخميس جولته اللبنانية من قصر بعبدا مقرّ رئاسة الجمهورية حيث التقى عون، قبل أن يجتمع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، ولاحقا بري، وسيواصل لقاءاته اليوم وغدا مع المسؤولين السياسيين.
وشدد زكي في أكثر من تصريح اليوم على أنّ "الأفكار المطروحة حالياً بالذات التي قدمها الرئيس بري هي أفكار يُبنى عليها ونؤيدها ويمكن أن تشكل مخرجاً طيباً للأزمة الحالية لكن حتى اليوم لا تحوز على التوافق ومهمتنا المساعدة للوصول إليه".
وفضل زكي حصر زيارته بالمسعى العربي، مشدداً على أننا "لا نعمل تحت مظلة غير عربية" في ظلّ ربط جولته بالمبادرة الفرنسية، التي يقول إن "الجامعة العربية تؤيدها ولا ضير في ذلك من حيث حكومة اختصاصيين تعمل لإنقاذ البلد وهذه أفكار لا بأس بها وموافق عليها عربياً لكن كيف يحدث ذلك وهنا حصل الاختلاف، ونحن نتدخل للوصول الى اتفاق".
وصرّح زكي بعد لقاء عون، بأن "لبنان بوضع متأزم، فهناك أزمة سياسية وأزمة اقتصادية ضخمة، والأزمتان متلازمتان ولا يمكن حل الأزمة الاقتصادية من دون الوصول الى مخرج وتسوية للأزمة السياسية"، مضيفاً، "من هذا المنطلق عرضت على الرئيس عون استعداد الأمين العام للمساعدة في الاتصالات بين الأطراف الرئيسية في هذه الأزمة إذا كان هناك داع للتدخل من الجامعة العربية، وحتى إذا كان الأمر يتطلب أن يكون سقف الجامعة هو السقف المقبول من الجميع، فنحن حاضرون لذلك. وقد رحّب الرئيس عون بهذا الطرح".