على وقع الانهيار المستمرّ لقيمة الليرة اللبنانية وارتفاع مستوى الجرائم وتزايد حالات الانتحار والضغوط النفسية التي تطاول الفئة الشابة بخاصة، خرج رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، اليوم الجمعة، ليؤكد أن "لا قرار باستقالة الحكومة، خصوصاً أنّ هذه الخطوة ستساهم في مزيد من التدهور وقد تؤدي إلى إرجاء الانتخابات النيابية" على حدّ قوله.
وسأل ميقاتي "هل الأفضل وجود حكومة أم عدمه؟ وتالياً أيهما أفضل وجود حكومة بصلاحيات كاملة أم حكومة تصريف أعمال؟".
وتجدر الإشارة إلى أنّ جلسات مجلس الوزراء معلّقة منذ أكثر من شهرين، الأمر الذي يعيق بتّ ملفات أساسية، وذلك بفعل تهديدات "حزب الله" و"حركة أمل" (التي يتزعمها نبيه بري) بـ"تطيير" الحكومة في حال عدم سحب ملف محاكمة رئيس الوزراء السابق، حسان دياب، والوزراء السابقين المدعى عليهم والمحسوبين على "الثنائي" وحليفهما "تيار المردة" (برئاسة سليمان فرنجية) من يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وكرر ميقاتي قوله إنّ "الحكومة مستمرة في عملها والاتصالات جارية لاستئناف جلسات مجلس الوزراء"، معترفاً بأنّ "أي دعوة لعقد جلسة من دون التوصل إلى حل للأزمة الراهنة، ستعتبر تحدياً من قبل مكوّن لبناني، وقد تستتبع باستقالات من الحكومة، ولذلك فأنا لن أعرّض الحكومة لأي أذى".
وتحدث رئيس الوزراء، الجمعة، في لقاء حواري مع مجلس نقابة المحررين، برئاسة النقيب جوزيف القصيفي، عن "وجود قرار دولي بعدم سقوط لبنان وبوقف تردي الأوضاع واستمرار الانهيار الحاصل"، مشدداً على أنّ "هناك مظلة خارجية وداخلية تحمي عمل الحكومة".
وعن ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، قال ميقاتي "لا يمكننا أن نتدخل في عمل قاضي التحقيق أو استبداله، وفي الوقت ذاته هناك نصوص دستورية واضحة تتعلق بدور وعمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يجب تطبيقها، وإذا اتخذت الهيئة العامة لمحكمة التمييز قراراً يتطابق مع هذا النص الدستوري نكون قد وضعنا الملف على سكة الحل، ويكمل قاضي التحقيق عمله بشكل طبيعي".
ورداً على سؤال يتعلق بالاتصال الذي جرى مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قال ميقاتي "كان الاتصال جيداً وفتح آفاقاً جديدة للعلاقات، ولقد جرى الحديث عن اتفاق على صندوق معيّن للمساعدات بين فرنسا والسعودية عبر الجمعيات والمؤسسات الإنسانية".
وعن إطار الانتخابات النيابية أكد ميقاتي أننا "في صدد اتخاذ كل التدابير لإجراء الانتخابات قبل 21 مايو/أيار 2022 ليكون لدينا مجلس نيابي منتخب مع الأخذ بعين الاعتبار ما هو وارد في القانون الساري المفعول، وسندعو الهيئات الناخبة مطلع العام الجديد".
في السياق، يقول المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة المعتكفة حالياً هي أشبه بالحكومة المستقيلة من حيث الواقع لا من حيث الدستور، نظراً لكونها تصرِّف الأعمال حالياً عبر وزرائها بالحدود الضيقة فقط، ولا يمكنها تنفيذ السياسات العامة إلا من خلال انعقاد مجلس الوزراء، الذي عليه اتخاذ القرارات اللازمة بهذا الشأن بصورة مجتمعة".
ويشدد عزو على أنّ "السلطة الإجرائية أصبحت في الواقع الراهن بمثابة سلطة شكلية في ظل الاعتكاف الحاصل الذي يتحمل مسؤوليته أولاً الفريق المعطل، الذي يهدد بالانسحاب من الحكومة إذا لم تُحل قضية المحقق العدلي، رغم أن لا شأن للحكومة كسلطة تنفيذية بهذا الموضوع عملاً بمبدأ فصل السلطات"، لافتاً إلى أنه "من غير الجائز شلّ البلد لحين إجراء تسوية في مواضيع لا شأن لمجلس الوزراء بها، خصوصاً متى كان ذلك يلحق ضرراً سافراً بلقمة عيش المواطنين".
وكذلك يتحمل المسؤولية، على حد قول عزو "رئيس الحكومة الذي لا يدعو مجلس الوزراء للانعقاد، ويرضخ للتهديدات ويجاري المعطل في تعطيله"، مضيفاً "هناك أيضاً مسؤولية قانونية على كل وزير يمتنع عن تلبية أي دعوة لانعقاد مجلس الوزراء، لأنّ ذلك يشكّل إخلالاً بواجباته الوظيفية الدستورية، ويعرّضه للمساءلة باعتباره عُيّن في المجلس ليس لتعطيله، بل لتسيير شؤونه وتفعيل دوره الطبيعي".
عزو: يتحمل المسؤولية رئيس الحكومة الذي لا يدعو مجلس الوزراء للانعقاد، ويرضخ للتهديدات ويجاري المعطل في تعطيله
ويلفت عزو إلى أنّ "هذه الحكومة رفعت شعار الإنقاذ في حين أنها حكومة اعتكاف وأقطاب ومحاصصات سياسية، وهو ما تثبته الوقائع منذ تشكيلها في سبتمبر/أيلول الماضي ولغاية الآن".
ويردف "كلنا يعرف أنّ هذه الحكومة أتت لتقطيع الوقت بانتظار إجراء الانتخابات النيابية، ولكن كان يقتضي بها أن تعالج ولو مشكلة واحدة من المشاكل الأساسية في ظل الانهيار الدراماتيكي الحاصل لاقتصاد الدولة، سواء في الكهرباء أو المياه أو المواد الغذائية والدواء وأقله البطاقة التمويلية، بينما تكتفي بالوعود والإجراءات الصُوَرية وتعجز عن ضبط الدولار لعدم وجود أي خطة اقتصادية مالية رغم الكفاءات المزعوم وجودها في هذه الحكومة، والتي تم التهليل لها حين تشكيلها".