يومياً، يعيش أهالي غزة أوضاعاً مأساوية نتيجة الجوع والأمراض وغير ذلك من كوارث يتسبب بها العدوان الإسرائيلي. كما يواجهون البرد القارس وسط انعدام وسائل التدفئة
داخل أحد الفصول في الطابق الثالث من الجهة الغربية في مدرسة رفح الابتدائية "ب"، تجهّز سوزان عمور (38 عاماً) الفراش لأبنائها الأربعة في الزاوية القريبة من الباب. أما زوجها، فينام في خيام مخصصة للرجال وسط المدرسة. على الرغم من الطقس البارد وخصوصاً ليلاً، تنام هي وأبناؤها الأربعة على فرشتين ويضعون غطاءين فوقهم فقط للتدفئة.
ينام الأطفال الثلاثة الأصغر حجماً على فرشة، فيما تنام الأم مع ابنها البكر بسام (14 عاماً) على فرشة أخرى. ينامون متلاصقين في محاولة لتخفيف الشعور بالبرد. رغم ذلك، أصيب اثنان من أطفالها بنزلة معوية جراء العدوى من أطفال آخرين عولجوا من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". عدا عن العلاج، فإن المعاناة اليومية كبيرة.
تقول عمور لـ "العربي الجديد": "حين كنا أطفالاً، كانت والدتي تضع الفراش وننام قرب بعضنا البعض، ما كان يشعرنا بالدفء في ظل قلة الأغطية. واليوم، ينام أبنائي في هذا الطقس البارد ويبردون كثيراً كغيرهم من المتواجدين داخل المدرسة. لذلك، أحرص على أن يناموا قرب بعضهم البعض لأن غطاء واحداً لا يكفي".
كانت عمور من العائلات التي انتظرت وقتاً طويلاً حتى يسمح لها بالدخول برفقة أطفالها بعد النزوح من إحدى مدارس مدينة غزة أثناء الهدنة التي استمرت سبعة أيام، وقد نامت ليلة في الشارع إلى أن تم وضع عدد من النساء والأطفال النازحين داخل فصل واحد، وكانت هي وأطفالها من بينهم. لكنها تواجه البرد القارس يومياً.
شروق الشمس
في مراكز النزوح، ينتظر الغزيون شروق الشمس، فيخرجون من الفصول ويقفون تحت أشعة الشمس للحصول على الدفء بعد قضاء ليلة باردة وسط أصوات رياح قوية تخيف الأطفال. النوافذ المحطمة نتيجة القصف الإسرائيلي تزيد أيضاً من البرد المتسلل. ومهما حاولت أقسام الصيانة في الأونروا وضع بدائل في بعض الفصول، إلا أن الرياح تبقى أقوى من أي طبقات بلاستيكية أو أي لاصق لمنع دخول الهواء.
كان نبيل أبو حجر (57 عاماً) ومجموعة من الرجال في إحدى مدارس الأونروا يستيقظون كل صباح لأداء صلاة الفجر جماعة داخل إحدى الخيام. لكن خلال الأسبوعين الأخيرين، عجزوا عن الأمر جراء البرد الشديد في الصباح، بالإضافة إلى عدم توفر المياه للوضوء في الكثير من الأوقات. أُصيب هو وآخرون بضيق في التنفس جراء البرد.
يقول أبو حجر لـ "العربي الجديد": "بعض الفصول أشبه بثلاجات. سمحت لي إدارة الأونروا بالمبيت في أحد الفصول مع الرجال. لكن من شدة البرد، بات لون قدمي أزرق. وكان أحفادي يتشاجرون للبقاء في حضني للشعور بالدفء لأنني كنت أرتدي روباً طويلاً من الصوف".
يضيف أبو حجر: "ننتظر طلوع الشمس. وفي ساحة المدرسة، نصطف طمعاً بالحصول على الدفء. وما إن يفرغ مكان حتى يحتله آخر. في أحيان كثيرة، أخرج أنا ورجال آخرون ونجلس على رصيف الشارع تحت أشعة الشمس. وفي الأيام التي تتساقط فيها الأمطار، نشعر بالاكتئاب لأننا نواجه البرد طوال اليوم".
أولوية الدفء بالنسبة للغزيين في مراكز النزوح هي لكبار السن، وخصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة منهم، والذين يجدون صعوبة في التنقل والصعود على سلالم الفصول كما يوضح أبو حجر. ثم يأتي الأطفال وبعدهم النساء. أما الرجال، فيتمركزون داخل بعض الفصول في الأسفل أو الخيام التي تتوسط المدارس، لكنهم يواجهون برداً قارساً.
وتقول نبيلة أبو زتون (45 عاماً)، وهي نازحة في مركز الإيواء وسط مدينة رفح، لـ "العربي الجديد": "يتم توزيع بعض الأغطية بشكل قليل على العائلات. على سبيل المثال، منحت غطاءين علماً أن عدد أفراد عائلتنا عشرة. البرد داخل مراكز النزوح شديد والمياه غير صحية. نواجه قسوة البرد وأصوات الرياح القوية تخيف الأطفال، فيما تنتشر الأمراض بشكل كبير".
ووصل عدد النازحين في المراكز التابعة للأونروا إلى قرابة 1,4 مليون نازح، يتوزعون على 155 منشأة في كافة محافظات قطاع غزة الخمس. وتتركز حركة الاكتظاظ داخل محافظات وسط وجنوب القطاع التي أصبحت تضم 1,2 مليون.
مؤخراً، وبعدما وصلت آليات الاحتلال الإسرائيلي إلى مناطق غرب وشمال مدينة خانيونس، اضطرت الأونروا إلى إخلاء أربع مدارس تتبع لها في المنطقة، ما زاد الازدحام والاكتظاظ في مدينة رفح التي تضم 12 مدرسة تتبع لإدارتها فقط بمعدل يفوق 13 ألف نازح في كل مدرسة في مدينة رفح، بحسب الأونروا.
حرق الكتب
اضطر الغزيون مؤخراً إلى حرق الكتب والدفاتر المدرسية للحصول على الدفء. وآخر الحلول الممكنة بالنسبة لهم هي قطع الأشجار للحصول على الأخشاب ومحاولة تجفيفها حتى يتمكنوا من إيقاد النار فيها، على الرغم من أن قطع شجرة هو كخلع القلب، كما يقول نسيم صبح (30 عاماً).
مشى صبح برفقة مجموعة من المقيمين داخل مدرسة تابعة للأونروا بالقرب من مخيم الشابورة، مسافة طويلة للوصول إلى منطقة بشمال مدينة رفح تضم أشجاراً. قطعوا بعضها للحصول على الحطب، ووزعوه على عدد من النازحات من دون أزواجهن. بعض هؤلاء النساء استشهد أزواجهن وهن بحاجة للدفء في ظل عدم حصولهن على أغطية أو فراش.
يقول صبح لـ "العربي الجديد": "الأطفال داخل الفصول يرتجفون في منتصف الليل. أي شخص يمشي بين ممرات المدرسة يسمع أسنانهم تصطك. الأوراق والكتب تنفد بسرعة عندما نحرقها مع بعض الأخشاب. بعض الناس كانوا يشعلون البلاستيك لتسريع اشتعال بعض الأخشاب علماً أن ذلك مضر جداً وقد تلقوا تحذيراً من إدارة الأونروا. لكن ما باليد حيلة في ظل البرد القارس في الفصول".
ويشير صبح إلى أن الناس يخرجون يومياً من مراكز الإيواء للبحث عن أخشاب في الطرقات أو بين البيوت المدمرة. لكن في الوقت الحالي، قليلاً ما يجدون الأخشاب لأن الجميع يسارع لحملها عن الأرض ما قد يؤدي إلى حصول شجارات أحياناً. وبعدها، تترك تحت أشعة الشمس لتجف قبل أن تستخدم لإشعال النار. يضيف: "زرعت في حياتي العديد من الأشجار في أرض نملكها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. واليوم، أقطع الأشجار للحصول على الدفء. أشعر أن قلبي يتقطع مما أفعله، لكن الناس لو بقيت على هذا الحال تموت جراء البرد. بعض الأشجار تحتاج إلى وقت حتى تجف المادة الصمغية فيها وتصبح صالحة للحرق. لكن الناس لا تبالي وتريد الدفء بأي طريقة في ساحة المدارس بعيداً عن الفصول".
تخوفات الأرصاد الجوية
تعتبر بيئة قطاع غزة ساحلية ماطرة مناسبة للمحاصيل الزراعية، مع الإشارة إلى أن القطاع يفصل بين قارتين هما آسيا وأفريقيا. ويوضح خبير الأرصاد الجوية الفلسطينية منير غنام أن منطقة النقب الفلسطيني المحتل في الجنوب هي أكثر المناطق التي تتعرض لرياح طبيعية غربية وجنوبية محملة بالأتربة من صحراء سيناء المصرية.
لكن غنام يعرب عن تخوفه نتيجة انعدام تصريف مياه الأمطار الطبيعية في قطاع غزة ودمار البنية التحتية في ظل توقعات تشير إلى أن يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط سيشهدان تساقط كميات وافرة من الأمطار، بالإضافة إلى منخفض جوي قطبي على أن يتركز تساقط الثلوج في مناطق جبلية وقطاع غزة.
يقول غنام لـ "العربي الجديد": "بحسب الأرصاد الجوية، تكون الأجواء مستقرة عموماً خلال الأيام المقبلة، مع بقاءها باردة مساءً حتى الصباح. لكننا نتحدث عن طقس لمن هم في منازل عادية وآمنة ويوجد فيها أغطية وحائط للحماية من البرد القارس. في الوقت الحالي، غزة تحتاج إلى جغرافيا خاصة بها لأنها تشهد كارثة إنسانية وبيئية وانعداماً لوجود منازل وغيرها". ويشدد غنام على أنه من خلال العمل مع سلطة جودة البيئة في قطاع غزة، يتوقع أن تكون الأيام المقبلة أكثر قسوة على الغزيين لأنه بحسب موقع قطاع غزة، يتوقع أن يشهد رياحاً شمالية غربية تصل الى سرعة أكثر من 20 كيلومتر في الساعة خلال الشهرين المقبلين.