تحدث السيسي، يرافقه عدد من المسؤولين والوزراء وقادة الجيش والشرطة المدنية وشيخ الأزهر أحمد الطيب، إضافة إلى عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة، بلهجة غاضبة عن ضرورة الأخذ بالثأر ضمنياً، وشدد على ضرورة تنفيذ العدالة والأحكام الناجزة، وهي إشارة فهمها كثيرون على أنها تفيد بضرورة تشديد العقوبات على قيادات "الإخوان" و"التيار الإسلامي" رداً على عملية الاغتيال.
ولوحظ من انفعال السيسي العزم في تنفيذ أحكام الإعدام، على الرغم من ضغوط إقليمية ودولية كبيرة تحول دون ذلك. كما أنّ هناك عقبات قانونية تمنع تنفيذ هذه الأحكام، خصوصاً وأنّ هناك نظر أحكام الإعدام أمام محاكم النقض، وسط توقعات بتخفيف العقوبات، إلا إذا كان هناك تلاعب وتأثير على أحكام القضاء، وهو ما بدا ظاهراً في حديثه أمس. وتوجه السيسي في كلامه إلى بعض رجال القضاء المصري، مؤكّداً لهم ضرورة تنفيذ أحكام ناجزة والانتهاء منها سريعاً، وظلّ يردد أكثر من مرة أنّه ليس خائفاً من الموت.
ولأنّ السيسي يستحوذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء، نظراً لغياب برلمان يصدر القوانين ويراقب أداء الرئيس والحكومة، فبات يتولى كل السلطات، خصوصاً في ظلّ نفوذه داخل أروقة السلطة القضائية، وهو ما بدا في الأحكام السياسية بحق رافضي الانقلاب، وأولهم الرئيس المعزول، محمد مرسي.
ومن غير المستبعد أن يسارع الرئيس الحالي إلى إصدار قانون لمكافحة الإرهاب، ليتمكن من تصنيف أي شخص على أنه إرهابي بحسب اتهامات معارضيه. ولن يتورع عن إصدار أي قانون أو تشريع يخدم مصلحته في الصراع الدائر في مصر، منذ الانقلاب على مرسي، من دون رقيب له ولقراراته.
اقرأ أيضاً: سياسيون: تفجير موكب بركات قبل 30 يونيو يفيد النظام
وفي كلمته التي أذاعها التلفزيون الرسمي، قال السيسي متوعداً باللهجة العامية: "إحنا لغاية دلوقتي(نحن حتى الآن)، معملناش(لم نقم) إجراء استثنائي واحد، وأنتو متعرفوش إيد الدولة عاملة إزاي (وأنتم لا تعرفون كيف يمكن أن تتعامل الدولة)". وأضاف "إحنا (نحن) بنفذ (ننفذ) القانون، هيصدر حكم بالإعدام هيتنفذ، هيصدر حكم بالمؤبد هيتنفذ، القضاء والقانون عاوزينه دلوقتي قبل بكرة (الآن قبل الغد).. وإحنا جاهزين إنه إحنا ننفذه.. هنشوف هنشوف (سنرى سنرى)".
ومضى السيسي بالقول "يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، وإحنا مش هنستنى على ده، هنعدل القوانين اللي تخلينا ننفذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن، وخلال أيام تعرض القوانين ويكون هناك قانون للإجراءات القانونية المضبوطة اللي تجابه التطور اللي حاصل ده.. إحنا بنقابل إرهاب يبقى في قوانين تجابه ده.. وفي محاكم تجابه ده". وأضاف "مش هنقعد 5 سنين و10 سنين.. مش هنستنى(لن ننتظر) نحاكم الناس اللي بتقتلنا.. هما بيصدروا الأمر وهما في القفص وبيتنفذ الحكم.. وإحنا قاعدين بننفذ القانون وهنحترم القانون، وهنخلي القانون قانون يجابه ده، وهذا الأمر مع السلطة القضائية"، دون أن يحدد السيسي من المقصود بـ"داخل القفص".
السيسي قال أيضاً "خلي بالكم (انتبهوا)، اللي حصل ده كنا عارفين أنه هيحصل.. كنا عارفين وكنا مستعدين أننا نتحمل ثمنه بس الـ90 مليون مصري يعيشوا". وفي حديث وجهه للقضاة ووكلاء النيابة قال السيسي: "سبنا(تركنا) الأمر كله عندكم بالعدالة.. بقالنا سنتين سايبين (تاركين) الأمر عندكم، الناس كلها في مصر بتقول ننفذ القانون وأنا أقول ننفذ القانون".
وتابع "لا المحاكم بالطريقة دي في الظروف دي تنفع، ولا القوانين دي في الظروف دي هتنفع .. الكلام ده ينفع مع ناس عاديين، لكن الناس اللي لاء(لم يوضح من المقصودين بحديثه) مينفعش معاهم غير القانون الناجز"، مشدداً على أن النائب العام بمثابة "صوت مصر" وأن من استهدفه بالأمس أراد أن "يسكت مصر".
اقرأ أيضاً: طيف اغتيال بركات يهيمن على تحركات 30 يونيو اليوم
وكان "المرصد المصري للحقوق والحريات"، قد أكد، في تقريره الثاني في النصف الأول من يونيو/ حزيران الماضي، من سلسلة تقارير "حكم السيسي... من خلف الستار إلى الواجهة"، أنّ العامين اتسما بـ"انتهاك الدستور والحريات العامة وحقوق الإنسان بإصدار القرارات والتشريعات".
وبحسب التقرير نفسه، استمر إصدار تشريعات وقوانين وقرارات مخالفة للحريات العامة وحقوق الإنسان ومخالفة للدستور المصري في الفترة التي تصدر فيها السيسي السلطة في مصر، وأصبحت القرارات والقوانين تصدر باسمه. وتم رصد "عدد القرارات والقوانين المخالفة للحقوق والحريات التي تم إقرارها ونشرها في الجريدة الرسمية، التي صدرت باسم عبدالفتاح السيسي منذ يونيو/حزيران 2014 لغاية مايو/أيار 2015، بلغت 232 قراراً وقانوناً، شملت "قرارات وقوانين صادرة عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، بلغ عددها 70 قراراً وقانوناً، وقرارات صادرة عن وزير الداخلية بلغ عددها 99، وقرارات صادرة عن وزير العدل، بلغ عددها 63، وصدر قرار واحد عن النيابة العامة".
وشملت القرارات والقوانين المؤثرة على الحريات وحقوق الإنسان، "تحويل أماكن الشرطة والأقسام إلى سجون، وجعل الأماكن التابعة لوزارة الداخلية أماكن لانعقاد جلسات المعتقلين سواء كان تجديد الحبس أو المحاكمات، والتعديلات التي أقرت على قانون القضاء العسكري، وإعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء، وإصدار قانون المنشآت العامة، الذي بموجبه تمت إحالة آلاف المدنيين إلى القضاء العسكري، وقرارات خاصة بالسلطة القضائية والقضاة بانتهاكات للدستور والقانون بإحالة العشرات منهم إلى التقاعد، أو عزلهم من القضاء أو نقلهم إلى وظائف مدنية غير قضائية، والتعديلات الخاصة بلائحة السجون التي فرغت من مضمونها، وتعديل بعض أحكام قانون تنظيم العمل في الجامعات، وإصدار قانون الخدمة المدنية المعني بالحياة الوظيفية داخل جهاز الدولة من دون أن يكون هناك حوار مجتمعي بخصوصه".
وأشار التقرير إلى أن "وزير العدل استمر بإصدار قراراته المخالفة لمعايير المحاكمات العادلة، بنقل مقر انعقاد الجلسات الخاصة بالمعتقلين السياسيين إلى مقرات تابعة لوزارة الداخلية والأمن المركزي والمباحث"، فيما كان القرار الإداري الصادر عن النيابة العامة بوضع أعضاء من جماعة "الإخوان المسلمين" على قائمة الإرهاب بناء على محاكمات "غير عادلة" واستناداً إلى قانون غير دستوري، وهو قانون الكيانات الإرهابية من القرارات المخالفة الأبرز، بحسب التقرير.
وأكدت وحدة رصد انتهاكات القرارات والتشريعات على أنّ القرارات والقوانين والتشريعات تعكس حجم القوى الاجتماعية في المجتمعات ومدى تفاعلها وأهميتها. "لذلك فإن كل التعديلات التي طرأت على المنظومة التشريعية المصرية منذ 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى الآن، هو تعبير عن الطبيعة الاستبدادية للنظام العسكري في مصر. فلا يوجد تمثيل حقيقي للمواطنين في السلطات، سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، وإنما كلها وقعت بشكل فاضح ومخيف تحت عباءة الجيش".
اقرأ أيضاً: "أمنستي" لـ السيسي: لا تستعمل ذريعة الإرهاب لممارسة القمع