كل المؤشرات الاقتصادية تُنذر باستمرار السنوات العجاف في الجزائر، إذ تواصل الحكومة سياسة شد الحزام خلال عام 2019، في ظل محاصرة ثلاثية العجز المالي، وتبخر احتياطي النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
وأجمعت الأوساط الاقتصادية في الجزائر على أن 2019 ستكون ضمن مسلسل سنوات الأزمة الاقتصادية الأشد في تاريخ البلاد، وهي السنة الخامسة على التوالي التي تشهد تطبيق إجراءات تقشفية صارمة.
عجز الموازنة
من المرتقب أن يتواصل عجز الموازنة العامة، ولكن بشكل غير مسبوق، في العام الجاري، إذ تشير توقعات الحكومة لموازنة البلاد للسنة الحالية أن يفوق 16 مليار دولار، إذ اعتمدت السلطات موازنة قدرها 72 مليار دولار، في حين يبلغ حجم الإيرادات المرصودة قرابة 56 مليار دولار.
وتملك الحكومة حلّين لمواجهة هذه المعضلة المالية، أحلاهما مر، إما سد العجز عن طريق اللجوء إلى احتياطي الصرف أو التوجه نحو الاقتراض من الخزينة العمومية، التي تعاني هي الأخرى عجزاً سنوياً يفوق 30 مليار دولار.
وحسب الخبير المالي، فرحات علي، فإن "الحكومة الجزائرية ستضطر إلى الاقتراض من الخزينة العمومية لسد عجز الموازنة، إلا أن العقبة التي تواجهها السلطات تكمن في أن الخزينة العمومية بدورها تقترض منذ نهاية 2017 من البنك المركزي لسد عجزها، وبالتالي نحن أمام اقتراض داخلي مركب، وبالتالي فإن البنك المركزي سيضطر بدوره إلى مضاعفة كمية النقود المطبوعة، ما يزيد مخاطر التضخم".
اقــرأ أيضاً
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر ترفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وهو قرار استراتيجي، يمكن أن يكون صائباً، كما يمكن أن يصبح عكس ذلك، فالاستدانة الخارجية ليست دائماً حاملة لأعباء سياسية واقتصادية سلبية على البلدان المستدينة".
تبخر احتياطي الصرف
تشير توقعات الحكومة إلى استمرار تآكل احتياطات الصرف بالعملة الصعبة خلال عام 2019، لتتدحرج إلى 79.7 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، ثم 76 ملياراً في 2020، ثم إلى 33.8 ملياراً نهاية 2021، رغم أنها أرقام تبدو بعيدة عن الواقع بحكم سرعة التآكل التي كانت أعلى من المتوقع.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للسنة الحالية، بل وحتى خلال السنتين المقبلتين، إذ تشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً.
وكانت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي عند مستوى 97.33 مليار دولار، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017، وفق بيانات البنك المركزي الجزائري، وبدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من سنة 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك 8 سنوات متتالية من الارتفاع، إذ تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013.
وتوقع وزير المالية السابق ومدير جمعية البنوك الجزائرية عبد الرحمان بن خالفة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "يواصل احتياطي الصرف تآكله المتسارع، بسبب تواصل تراجع عائدات النفط مع استقرار مستويات الدين الداخلي".
ويشرح بن خالفة أن "الدين الداخلي المتراكم في السنوات الأخيرة سيمتصّ أي زيادات قد تسجلها عائدات النفط، فالحكومة تسجل عجزاً في الموازنة يقدر بنحو 16 مليار دولار سنوياً، يضاف إليه عجز الخزينة العمومية بقرابة 32 مليار سنوياً، وبالتالي هناك أكثر من 48 مليار دولار ديناً محلياً إضافياً، يجب أن تتم تغطية نصفه على الأقل من احتياطي النقد الأجنبي".
تدهور القدرة الشرائية
عادت المخاوف في الجزائر من ارتفاع الأسعار لتتقدم المشهد الاقتصادي، بعد إعلان بنك الجزائر المركزي تعويم الدينار بشكل موجه، ما ينذر بمزيد من الغلاء، ويهدد الخطط الحكومية الرامية إلى إلغاء الدعم تدريجياً بداية من العام المقبل 2020.
وكان محافظ بنك الجزائر، محمد لوكال، قد أعلن قبل أيام أن الدينار فقد 34 % من قيمته خلال العام الماضي 2018، بينما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وأثارت هذه الخطوة التي لم يكشف عنها البنك المركزي إلا بعد تنفيذها، مخاوف المتابعين للشأن الاقتصادي، الذين يتوقعون أن يسرع تعويم الدينار من وتيرة تراجع القدرة الشرائية للجزائريين، خاصة أن الحكومة لا تبدو مستعدة لإيقاف آلة طباعة النقود التي اعتمدت عليها طيلة السنة الماضية لتمويل الخزينة العمومية، والتي أثرت بدورها سلباً في ارتفاع معدلات التضخم في الدولة النفطية.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار عام 2012 بلغ 77.55 ديناراً، بينما بلغ المتوسط عام 2013 حوالي 79.38 ديناراً، ليرتفع إلى 80.56 عام 2014، ثم 100 في 2015، ونحو 107 دنانير في 2016، ثم إلى 112 بنهاية 2017، قبل أن يغلق عام 2018 على 119، وتصب توقعات الحكومة في أن يفقد الدينار نقطتين أمام الدولار في السنة الحالية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إن "انخفاض قيمة الدينار أثر سلباً ليس فقط على الفقراء وإنما على الطبقة المتوسطة أيضاً، وهو يهدد بتعجيل انهيار القدرة الشرائية أكثر في السنة الحالية، وذلك لسببين، الأول تواصل عملية طبع الأموال والثاني تمسك الحكومة بسياسة تقليص فاتورة الواردات من خلال خفض الدينار لإطالة عمر احتياطي الصرف".
وأضاف الخبير الاقتصادي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة مدعوة اليوم للتدخل من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطن". ورغم تخصيص الحكومة 20% من الإنفاق على مخصصات الدعم، وفق بيانات موازنة 2019، إلا أن هذا الإجراء لم ينجح في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
وكانت الحكومة قد لجأت في نهاية 2017 إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي" الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات. غير أن الحكومة تعدت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعد أن طبعت أكثر من 40 مليار دولار، وتستعد لطباعة مبالغ كبيرة هذه السنة لترفع مستويات الدين الداخلي المتراكم.
وأجمعت الأوساط الاقتصادية في الجزائر على أن 2019 ستكون ضمن مسلسل سنوات الأزمة الاقتصادية الأشد في تاريخ البلاد، وهي السنة الخامسة على التوالي التي تشهد تطبيق إجراءات تقشفية صارمة.
عجز الموازنة
من المرتقب أن يتواصل عجز الموازنة العامة، ولكن بشكل غير مسبوق، في العام الجاري، إذ تشير توقعات الحكومة لموازنة البلاد للسنة الحالية أن يفوق 16 مليار دولار، إذ اعتمدت السلطات موازنة قدرها 72 مليار دولار، في حين يبلغ حجم الإيرادات المرصودة قرابة 56 مليار دولار.
وتملك الحكومة حلّين لمواجهة هذه المعضلة المالية، أحلاهما مر، إما سد العجز عن طريق اللجوء إلى احتياطي الصرف أو التوجه نحو الاقتراض من الخزينة العمومية، التي تعاني هي الأخرى عجزاً سنوياً يفوق 30 مليار دولار.
وحسب الخبير المالي، فرحات علي، فإن "الحكومة الجزائرية ستضطر إلى الاقتراض من الخزينة العمومية لسد عجز الموازنة، إلا أن العقبة التي تواجهها السلطات تكمن في أن الخزينة العمومية بدورها تقترض منذ نهاية 2017 من البنك المركزي لسد عجزها، وبالتالي نحن أمام اقتراض داخلي مركب، وبالتالي فإن البنك المركزي سيضطر بدوره إلى مضاعفة كمية النقود المطبوعة، ما يزيد مخاطر التضخم".
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر ترفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وهو قرار استراتيجي، يمكن أن يكون صائباً، كما يمكن أن يصبح عكس ذلك، فالاستدانة الخارجية ليست دائماً حاملة لأعباء سياسية واقتصادية سلبية على البلدان المستدينة".
تبخر احتياطي الصرف
تشير توقعات الحكومة إلى استمرار تآكل احتياطات الصرف بالعملة الصعبة خلال عام 2019، لتتدحرج إلى 79.7 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، ثم 76 ملياراً في 2020، ثم إلى 33.8 ملياراً نهاية 2021، رغم أنها أرقام تبدو بعيدة عن الواقع بحكم سرعة التآكل التي كانت أعلى من المتوقع.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للسنة الحالية، بل وحتى خلال السنتين المقبلتين، إذ تشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً.
وكانت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي عند مستوى 97.33 مليار دولار، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017، وفق بيانات البنك المركزي الجزائري، وبدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من سنة 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك 8 سنوات متتالية من الارتفاع، إذ تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013.
وتوقع وزير المالية السابق ومدير جمعية البنوك الجزائرية عبد الرحمان بن خالفة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "يواصل احتياطي الصرف تآكله المتسارع، بسبب تواصل تراجع عائدات النفط مع استقرار مستويات الدين الداخلي".
ويشرح بن خالفة أن "الدين الداخلي المتراكم في السنوات الأخيرة سيمتصّ أي زيادات قد تسجلها عائدات النفط، فالحكومة تسجل عجزاً في الموازنة يقدر بنحو 16 مليار دولار سنوياً، يضاف إليه عجز الخزينة العمومية بقرابة 32 مليار سنوياً، وبالتالي هناك أكثر من 48 مليار دولار ديناً محلياً إضافياً، يجب أن تتم تغطية نصفه على الأقل من احتياطي النقد الأجنبي".
تدهور القدرة الشرائية
عادت المخاوف في الجزائر من ارتفاع الأسعار لتتقدم المشهد الاقتصادي، بعد إعلان بنك الجزائر المركزي تعويم الدينار بشكل موجه، ما ينذر بمزيد من الغلاء، ويهدد الخطط الحكومية الرامية إلى إلغاء الدعم تدريجياً بداية من العام المقبل 2020.
وكان محافظ بنك الجزائر، محمد لوكال، قد أعلن قبل أيام أن الدينار فقد 34 % من قيمته خلال العام الماضي 2018، بينما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وأثارت هذه الخطوة التي لم يكشف عنها البنك المركزي إلا بعد تنفيذها، مخاوف المتابعين للشأن الاقتصادي، الذين يتوقعون أن يسرع تعويم الدينار من وتيرة تراجع القدرة الشرائية للجزائريين، خاصة أن الحكومة لا تبدو مستعدة لإيقاف آلة طباعة النقود التي اعتمدت عليها طيلة السنة الماضية لتمويل الخزينة العمومية، والتي أثرت بدورها سلباً في ارتفاع معدلات التضخم في الدولة النفطية.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار عام 2012 بلغ 77.55 ديناراً، بينما بلغ المتوسط عام 2013 حوالي 79.38 ديناراً، ليرتفع إلى 80.56 عام 2014، ثم 100 في 2015، ونحو 107 دنانير في 2016، ثم إلى 112 بنهاية 2017، قبل أن يغلق عام 2018 على 119، وتصب توقعات الحكومة في أن يفقد الدينار نقطتين أمام الدولار في السنة الحالية.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إن "انخفاض قيمة الدينار أثر سلباً ليس فقط على الفقراء وإنما على الطبقة المتوسطة أيضاً، وهو يهدد بتعجيل انهيار القدرة الشرائية أكثر في السنة الحالية، وذلك لسببين، الأول تواصل عملية طبع الأموال والثاني تمسك الحكومة بسياسة تقليص فاتورة الواردات من خلال خفض الدينار لإطالة عمر احتياطي الصرف".
وكانت الحكومة قد لجأت في نهاية 2017 إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي" الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات. غير أن الحكومة تعدت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعد أن طبعت أكثر من 40 مليار دولار، وتستعد لطباعة مبالغ كبيرة هذه السنة لترفع مستويات الدين الداخلي المتراكم.